الصفحات

الأحد، 20 مايو 2018

علاج الأمراض النفسية والعقلية-1



من الملاحظ أن هناك سوء فهم في علاج الأمراض النفسية أكثر من علاج الأمراض البدنية ، حيث يتصور كثير من الناس أن علاج الأمراض النفسية عبارة عن الاستلقاء على سرير العيادة النفسية ، والحديث عن الأحلام ! بينما نجد تصورات البعض الآخر من الناس منطبعة بما يرونه في بعض وسائل الإعلام من علاجات مخيفة ، كإعطاء المريض النفسي صدمات كهربائية تجعله ينتفض على السرير !
وفي هذا الفصل من الكتاب ، سيكون الحديث عن أنواع العلاجات المستعملة في الأمراض النفسية والعقلية ... وسنرى لماذا تستعمل هذه العلاجات ؟ وتأثيراتها غير المرغوب فيها ...
ويمكن أن نقول أن العلاجات النفسية تنقسم بشكل عام إلى نوعين رئيسيين هما(العلاجات المادية والعلاجات النفسية غير المادية )
وفي الغالب يستعمل الطبيب النفسي أكثر من علاج واحد ، محاولا أن يعالج كل جوانب حياة المريض وبشكل شامل ، وليس فقط المرض أو الأعراض.
أولا – العلاجات المادية : ومنها :
1 – الأدوية النفسية  :
تخفف معاناة الكثير من المرضى الذين يمكن أن يعيشوا وسط مجتمعاتهم  والذين لولا هذه الأدوية لأصبح مرضهم لا يطاق ولا يحتمل  ولأصبحوا مرضى مزمنين في المشافي والمصحات النفسية والعقلية ...
وتصنف هذه الأدوية كالتالي :
أ – الأدوية المضادة للذهانات  :
وهي أدوية تنظم الانفعال والحالة المزاجية وتصحح التغيرات الشاذة التي تحدث في الاكتئاب وتفيد في علاج الأمراض النفسية الشديدة كالفصام والذهانات الأخرى .
ومن التأثيرات الأساسية لهذه الأدوية إزالة الأعراض الشديدة للذهان كالهلاوس السمعية والبصرية والأوهام ، وكذلك تخفيف الاهتياجات الشديدة المشاهدة في عدد من الأمراض النفسية كالفصام والهوس .
وتقوم هذه الأدوية بتعديل أو تخفيف نشاط بعض الناقلات العصبية في الدماغ ، الأمر الذي قد يؤدي أحيانا لزيادة نشاط ناقلات عصبية أخرى ، ككفتي ميزان بحيث تنقص الأولى لتزداد الثانية ..
وهناك من الأدوية ما يستعمل كحقن عضلية بطيئة الامتصاص من العضلات ، بحيث تحقن الإبرة كل ( 2 – 4 ) أسابيع ، كبديل عن استعمال الحبوب اليومية  .
ب – المهدئات  :
وهي من الأدوية التي تحدث أثرا مهدئا ( وليس مثبطا ) للجهاز العصبي المركزي ، وتؤدي إلى الاسترخاء العضلي والهدوء النفسي الحركي وتهدئ التهيج .. ومن أشهر هذه الأدوية ( الفاليوم والليبريوم والأتيفان والموغادون )، وهي أدوية كثيرة الاستعمال ، وخاصة في علاج القلق ، والتخفيف من شدة التوتر النفسي .
ولا يعتبر الإدمان على المهدئات مشكلة إذا كان تناولها محدد لبعض الأيام فقط ، ولكن في حال تناولها المستمر ولمدة أكثر من ( 4 – 5 أسابيع ) فإن ثلث الذين يتناولون هذه الأدوية قد يشعرون بعد إيقافها ببعض القلق والأرق .
ج – مضادات الاكتئاب  :
ومن أشهر هذه الأدوية ، هي مجموعة مضادات الاكتئاب " الثلاثية الحلقة " وهي ( توفرانيل ، تريبتيزول ، بروثايدين ) ، ومجموعة مضادات الاكتئاب " الجديدة " وهي ( غامانيل ، بروزاك ، سيروكسات ، فافيرين ) ، ومجموعة ثالثة وهي ( نارديل ، بارنيت ، مانيريكس  ) للمرضى الذين لا يستجيبون للعلاج بأدوية المجموعة الأولى والثانية .
د– أملاح الليثيوم :
وهو من الأملاح المعدنية ، وقد وجد له أثر قوي في التخفيف من تكرار نوبات الهوس الاكتئابي ، وفي معالجة حالات الهوس ، وهو دواء يستعمل بمفرده أو مشتركا مع مضادات الاكتئاب السابقة الذكر ، أو مع مضادات الذهان في حالات الذهان الهوسي
2 – العلاج بالصدمات الكهربائية  :
وهي عبارة عن تمرير تيار كهربائي صغير عبر الرأس ، ولمدة عدة ثوان  ومع مرور التيار الكهربائي تحدث نوبة مشابهة تماما للنوبات الاختلاجية المشاهدة في داء الصرع العصبي .
والشيء الذي يفترق عن النوبات الصرعية أن الصدمة الكهربائية تعطى عادة بعد أن يخدر المريض تخديرا عاما ، كما هو الحال في العمليات الجراحية المعتادة ، لأنه وجد أن معظم الأعراض الجانبية للصدمة الكهربائية تحدث بسبب الاختلاج دون التخدير العام ، كالكسور العظمية والخلوع المفصلية .
إن الاستعمال الأكثر انتشارا للصدمات الكهربائية هو في معالجة نوبات الاكتئاب الشديد ، وأحيانا تستعمل في حالات الهوس والفصام  .
وعدد العلاجات عادة من ( 8 – 12 ) صدمة ، عن طريق إعطاء صدمتين أو ثلاثة في الأسبوع .
ومن أكثر التأثيرات الجانبية التي قد يشكو منها المريض بعد الاستيقاظ هي الصداع والغثيان . وهناك قلة منهم من يشكو من اضطراب في الذاكرة ، كعدم القدرة على تذكر بعض الأسماء والمعلومات الجديدة .. ولكن هذه الشكوى تزول عادة بعد عدة أسابيع من انتهاء العلاج.
3 – العلاج الجراحي النفسي :
يلجأ إليه في بعض حالات الأمراض النفسية المزمنة – بعد فشل بقية أنواع ووسائل وطرق العلاج الأخرى – وكآخر محاولة إلى الجراحة – جراحة المخ  ، وهي جراحة عصبية متخصصة جدا .
ويقصد به إجراء عملية جراحية على أقسام من الدماغ للتخفيف من المرض النفسي الشديد المزمن ، والذي لم يستجب للعلاجات الأخرى الدوائية والنفسية ، رغم تطبيقها لسنوات طويلة . والمرضى الذين يحولون للجراحة النفسية عادة يكونون قد قضوا سنوات في المستشفيات النفسية دون تحسن يذكر .
ويقوم الجراح العصبي بإجراء قطع جراحي بين بعض المناطق في الدماغ  وخاصة فصل جزء من القسم الأمامي عن القسم المتوسط في الدماغ .
ويستعمل العلاج الجراحي النفسي في الحالات الشديدة المستعصية من الفصام المزمن ، والاكتئاب المزمن ، والقلق المزمن ، وعصاب الوسواس القهري الشديد .
ثانيا – العلاجات النفسية ( غير المادية ) : ومنها :
ويقصد بها كل الطرق المستعملة في نطاق  الأمراض النفسية ، والتي لا تستعمل الوسائل المادية في العلاج ... والعنصر الهام في معظم هذه العلاجات هو المحادثة بين المريض والطبيب المعالج .
ولا يمكن أن يسمى " الطبيب النفسي " بهذا الاسم ، إلا إذا تبادر إلى الذهن أنه يستعمل وسائل نفسية لتغيير سلوك مرضاه إلى أحسن ، وحتى أولئك الأطباء النفسيين الذين ينكرون دور العلاج النفسي أساسا ، فإنهم يقومون به بطريق غير مباشر ، بل وبحماس منقطع النظير في كثير من الأحيان .
وعلى ذلك فيمكن تعريف العلاج النفسي بأنه " وسيلة العلاج التي تعتمد أساسا على العلاقة بين المريض والطبيب والتي يتم من خلالها تغيير في سلوك المريض يجعله أكثر توازنا ، وأقدر على مواصلة الحياة بأبعادها الثلاث : التكيف والإنتاج والرضا بالدرجة التي يستطيعها وبالنوعية التي يختارها " .
ويمكن أن نذكر من العلاجات النفسية الأنواع التالية :
1 – العلاج السلوكي  :
ويقوم على مبدأ أن سلوك الإنسان ينشأ من التعلم ، ولذلك يمكن تغيير سلوكه  من خلال تعلمه سلوكا آخر جديد .
وأوضح مثال على ذلك ، حالات الرهاب أو الخوف ، والذي لا يظهر إلا في حالات خاصة يواجه فيها المريض ما يخشاه ويرهبه ، ككلب أو ثعبان أو ارتفاع شاهق ...
ويبدأ العلاج السلوكي عادة في الجلسة الأولى بين المريض والطبيب ، من خلال تحديد الأهداف المقصودة من العلاج...
وكذلك يعين السلوك المطلوب تغييره كالخوف أو الوسواس .. وكذلك تحديد عدد جلسات العلاج ، والذي يكون عادة قريب من عشر جلسات أسبوعية ... وتمتد الجلسة لما يقارب الساعة ..
وفي كثير من الأحيان ، قد يطلب المعالج من المريض القيام " بواجب منزلي " ، أو تدريبات يقوم بها المريض بين الجلسات في منزلة ، وأحيانا يطلب من أحد أفراد أسرة المريض المشاركة في العلاج ، من خلال متابعة تطور وتحسن المريض ، وهذا ما يساعد المريض ويعطيه التشجيع والتأييد ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق