الخميس، 6 ديسمبر 2018

أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا البغدادي-12

مما اعتنى به ابن ملكا الطب النفسي
 فعالج الأمراض النفسية التي تصيب الناس
 وحاول جاداً أن يعالجها بالطريقة النفسية التي أدهش لها علماء الطب في العصر الحديث
فقد ذكر ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء.
 أن مريضاً ببغداد كان عرض له علة (الماليخوليا)
وكان يعتقد أن على رأسه دناً (وعاء كبير للخمر من الفخار)
 وأنه لا يفارقه أبداً، فكان كلما مشى يتحايد المواضع التي سقوفها قصيرة ويمشي برفق، ولا يترك أحداً يدنو منه حتى لا يميل الدنُّ أو يقع عن رأسه
 وبقي بهذا المرض مدة وهو في شدة منه، وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل بمعالجتهم تأثير ينتفع به، إلى أن عُرض على ابن ملكا.
 ففكر في أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية
 فقال لأهله:
 إذا كنت في الدار فأتوني به، ثم إنه أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل إليه وشرع في الكلام معه، وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما، أنه يسارع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه، وأوصى غلاماً آخر، وكان قد أعد معه دناً في أعلى السطح، أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس صاحب الماليخوليا أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض. 
وكان ابن ملكا في داره، وأتاه المريض وشرع في الكلام معه وحادثه، وأنكر عليه حمله للدن، وأشار إلى الغلام الذي عنده من غير علم المريض فأقبل إليه، وقال والله لا بد لي أن أكسر هذا الدن وأريحك منه، ثم أدار تلك الخشبة التي معه وضرب بها فوق رأسه بنحو ذراع، وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدن من أعلى السطح. فكانت له جلبة عظيمة، وتكسر قطعاً كثيرة، فلما عاين المريض ما فعل به ورأى الدن منكسراً، تأوه لكسرهم إياه، ولم يشك أنه الذي كان على رأسه بزعمه، وأثر فيه الوهم أثراً برئ من علته تلك. وقد قال ابن أبي أصيبعة عن عمله 
هذا: 
(وهذا باب عظيم في المداواة، وقد جرى أمثال ذلك لجماعة من الأطباء المتقدمين مثل جالينوس وغيره في مداواة الأمور الوهمية).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق