السبت، 6 يناير 2018

التجسس الإلكتروني

 التجسس الإلكتروني
يدفع مستخدم الإنترنت نفقات مرتفعة مقابل حصوله على تلك الخدمة، ولكن هل يستفيد منها فعلا؟ أو بمعنى آخر هل يحصل على المقابل الذي يتوقعه بعد دفع هذه النفقات؟
كانت إجابة هذا السؤال بديهية في السابق، حيث كان مستخدم الشبكة يقضي معظم وقته في استدعاء الصفحات والبحث عن المعلومات التي يطلبها،  ولكن تطور أساليب الخداع الإلكتروني عن طريق برامج أعدت خصيصا لهذا الغرض جعلت الأمر معكوسا في معظم الأحيان، حيث يدفع مستخدم الشبكة مقابل خدمة الآخرين والترويج لسلعهم والتجسس على تحركاته في الفضاء الإلكتروني!
لم تكن الصورة بهذه القتامة في السابق، ولكني ألحظ الآن تسارعا وتصاعدا رهيبا في عملية تطوير وانتشار ما يمكن أن نسميه بـ"بريمجات الأذى  الإلكتروني".
وتتخصص هذه البريمجات التي تتسم بالذكاء وأحيانا بالعبقرية، في تعطيل حركة المستخدم على الإنترنت بل وشلها تماما في أوقات كثيرة، ولكن هذه السمة لم تعد هي الأخطر ، حيث تتطور أساليبها الخداعية يوما بعد يوم، فهي الآن تقف حائلا بين المستخدم وبين متصفحه وتوجهه نحو ما يريد صانعوها فقط، بالضبط كما يفعل القراصنة في أعالي البحار.
المثير للدهشة أن معظم قراصنة الإبحار الإلكتروني، لم تعد ترتدي الأزياء التقليدية للقراصنة المعروفين في هذا العالم، حيث لا تظهر آثار بريمجاتهم كصفحات تظهر فجأة بصورة مباغتة تعلن عن سلعة ما أو تدعو إلى الاستمتاع بمحتويات موقع معين، ولكنها أصبحت ترتدي الآن ثيابا أكثر براءة وجاذبية، حيث يلجأ صانعوها إلى تصميم صفحات تشبه إلى حد كبير الصفحات الأصلية التي يطلبها المتصفح عادة، حيث يمكن مثلا تصميم صفحة تشبه صفحة البريد الإلكتروني الخاصة بالمستخدم الذي لن يشعر بتركيب عشرات المكونات الدعائية في جهازه بمجرد فتح رسالة واحدة من الرسائل التي يتوهم أنها من أصدقائه وأحبائه!
كما تسعى تلك البريمجات إلى إظهار نتائج مسجلة عندها -مزيفة ومدفوعة الأجر- لعمليات البحث المعتادة عن الموضوعات الشهيرة، حيث توجهه إلى مواقع من اختيارها في الوقت الذي يتوهم فيه المتصفح أن النتائج مبنية على عملية بحث إلكترونية عمياء وطبيعية، ولا يمكن تخيل حجم الضلال الذي يمكن أن يترتب على هذه الأساليب الملتوية، حيث أن هذا يعني ببساطة تفريغ الإنترنت من مضمونها واحتكار مواقع بعينها للغالبية العظمى من مرتادي الشبكة غير المتمرسين الذين قد تنطلي عليهم تلك الأساليب الخداعية.
ويكفي للتدليل على حجم المأساة التي تعاني منها الشبكة في هذا المضمار أن أحدث التقارير تشير إلى أن عدد تلك البريمجات تزايد بشكل هائل في الآونة الأخيرة، حيث قفز من 3 آلاف إلى 15 ألف خلال الشهور الأخيرة.
وغني عن البيان بالطبع أن هناك آثارا مدمرة أخرى لهذه البريمجات ففضلا عن التسبب في بطء سرعة الحاسب وتعطل العمل فإن هناك أمورا أشد خطورة  تتمثل في سرقة المعلومات الشخصية وأرقام بطاقات الائتمان وكلمات السر الخاصة بالمواقع والبريد الإلكتروني.
وما يزيد المشكلة تعقيدا أن البعض يظن أن برامج مكافحة الفيروسات كفيلة بالتصدي لمثل هذه الأساليب، ولكن هذا غير صحيح لأن أنظمة التجسس الإلكتروني لا تتصرف مثل الفيروسات ولا ترتدي نفس أزيائها الشريرة، ولكنها تكون مصاحبة عادة لبرامج المشاركة في الملفات وشريط الأدوات الخاص بمتصفح الإنترنت، هذا في أفضل الأحوال التي قد يقع  المستخدم خلالها في فخ الضغط على كلمة "موافق" إذا ما صادفته اتفاقية لم يتفحص محتواها بدقة، ولكن الجديد أن تلك البريمجات تقوم الآن بتثبيت نفسها بنفسها دون الحاجة إلى تحذير المتصفح، مستغلة ثغرات أمنية في نظام ويندوز، كانت أصلا موضوعة كمميزات وضعتها مايكروسوفت تسمح للمبرمجين بإدخال تعديلات على المتصفح.
ويعد التخلص من التجسس الإلكتروني كابوسا في معظم الأحيان حيث تنتشر بريمجاته في أماكن متعددة وتحمل أسماء عشوائية، وتقوم تلك البرامج بإعادة تثبيت نفسها حتى إذا قام المستخدم بحذفها من على الحاسب. ولا زالت جهود مكافحة هذه الأساليب التجسسية فردية وغير منظمة، وهي ليست بنفس شمول وتكامل برامج مكافحة الفيروسات المعروفة، ولذلك فإن بعض المتمرسين يلجأون إلى استخدام برنامجين أو ثلاثة معا لمكافحة هذا النشاط غير المرغوب في حاسباتهم.
والمثير أنه حتى الآن لا يوجد نظام محدد يمنع مثل اللجوء إلى مثل هذه الأساليب الدعائية المضللة والمستفزة، وعلى الرغم من وجود بعض الخطوات على المستوى الأمريكي والعالمي، لاتخاذ تدابير تحمي المستخدمين من هذا العبث، إلا ن الشركات المتخصصة في الدعاية عن طريق هذا الأسلوب استطاعت تعطيل كل هذه المساعي حتى الآن!!
إن هذه الظاهرة الخطيرة تزداد خطورة يوما بعد يوم، وهي كما تهدد أمن متصفح الإنترنت بشكل عام، تهدد أيضا ثقافتنا وهويتنا العربية بشكل أكثر فداحة، ويكفي للتدليل على ذلك العبث الذي قد يفاجأ به المتصفح إذا ما لجأ إلى البحث عن كلمات ذات مدلول ديني مثل "قرآن" أو "إسلام" خاصة إذا ما لم يكن ملتزما بالتركيب الهجائي الشائع لهذه الكلمات باللغة الإنجليزية لهذه الكلمات، حيث يفاجأ عادة بسيل من الإعلانات عن مواقع تتحدث عن المسيحية، وأحيانا عن عروض مغرية لخدمات سمجة أو مواقع هابطة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق