ثلاث طرق لتفسير حدوث هجرة الكواكب
الأولى تصف عملية نقل الغاز التي يدفع فيها القرص الكوكبي أو يطرد الكوكب إلى موقع جديد،
الثانية تُظهر التفاعل التجاذبي بين الأجسام المتجاورة، أين يبدد الجسم الأكبر الجسم الأصغر ويخلق بذلك قوة معاكسة ومساوية على نفسه،
أما الثالثة فهي راجعة لتأثير تجاذبي مغاير، وهو قوة المد، التي تظهر أساسا بين النجم والكوكب وتميل لتُترجم في مدارات أكثر دائرية.
وكما يبدو للبعض كمفاجأة، هناك قبولٌ أن هجرة الكواكب قد شكلت وأثرت على هندسة النظام الشمسي بشكل كبير.
في الواقع، يفسر ماضيه الحيوي وجودَ وخصائص وحدات متعددة من النظام الشمسي، ويُظهر أن النظام الشمسي قد لا يكون فريدا كما اعتقدنا قبلا.
إذن، كيف تحركت الكواكب منذ ولادتها؟ بدأ كل شيء بهجرة الكوكب الأكبر المشتري نحو الداخل في النظام الشمسي.
يُعتَقد أن العملاق الغازي الذي يفوق وزنه وزن الكواكب الأخرى مجتمعة قد تحرك إلى غاية مدار المريخ، أي على بُعد 1.5 وحدة فلكية عن الشمس، قبل أن يعود إلى موقعه الحالي أي أبعد بأربع مرات.
لحسن حظ المريخ، كان هذا بعد 600 مليون سنة من نشأة النظام الشمسي (حوالي 4 مليار سنة خلت) قبل تشكل أي من الكواكب الأرضية حيث كانت الكواكب الغازية الأربعة فقط تحتكر السماء
في ذلك الوقت، كان كل من المشتري، زحل ، أورانوس ونبتون يملكون مدارات مضغوطة أكثر وكانت محاطة بقرص كثيف من الأجسام الجليدية الصغرى. طبعة فنية للنظام الشمسي.
سُحب المشتري باتجاه الشمس في النوع الأول من هجرة الكواكب، الغاز المدفوع، الذي تعمل تأثيراته بشكل مختلف يتعلق بكتلة الكوكب. بالنسبة للكواكب ذات الكتل الصغيرة، مثل الأرض، تظهر الآلية عندما يخلق مدار الكوكب اضطراباً على الغاز المحيط أو القرص الكوكبي ساحباً موجات الكثافة اللولبية إليه.
قد تحدث حالة من عدم التوازن بين قوة التفاعل مع اللوالب داخل وخارج مدار الكوكب، جاعلاً الكوكب يكتسب أو يفقد كمية حركة زاوية (angular momentum).
إذا حدث فقدان في كمية الحركة، يهاجر الكوكب باتجاه الداخل، وإذا حدث اكتساب فهو يهاجر نحو الخارج. يعرف هذا بالنوع الأول (Type I) من الهجرة ويحدث في مقياس زمني قصير بالنسبة إلى مدة حياة قرص التنامي.
في حالة الكواكب ذات الكتلة الكبيرة، مثل المشتري، يمسح السَّحب القوي للجاذبية فراغات كبيرة في القرص تُنهي النوع الأول من الهجرة وتسمح للنوع الثاني (Type II) بالحدوث، هنا تدخل المواد إلى الفراغ وبدورها تحرك الكوكب والفراغ إلى الداخل خلال مقياس التنامي الزمني للقرص. ربما هذه الآلية تفسر سبب تواجد الكواكب الشبية بالمشتري الساخنة في مدارات قريبة من نجمها الأم في الأنظمة الشمسية الأخرى. يرجع النوع الثالث من هجرة الغاز المسحوب أحيانا لهجرة الهرب، حيث الدوامات واسعة المقياس في القرص توجه الكوكب بسرعة نحو النجم في بضع عشرات من المدارات.
الأنواع الثلاثة لهجرة القرص.
نشأ فهمنا الأفضل لكيفية تحرك الكواكب عبر مراحل تطور النظام الشمسي من النموذج الجميل، الذي اقترحته تعاونية دولية لعلماء الفلك سنة 2005. ويقترح هذا النموذج أن الحواف الداخلية للقرص الجليدي، حوالي 35 وحدة فلكية من الشمس، بدأ أبعد الكواكب بالتفاعل مع الكويكبات أو الأجسام الكوكبية (planetesimals) الجليدية، مُحفِّزا النوع الثاني من الهجرة لكي يحدث:
التشتت التجاذبي (gravitational scattering).
تراكمت الكويكبات من كوكب إلى آخر، ما تسبب تدريجيا في الهجرة الخارجية لكل من أورانوس، نبتون، زحل وحزام الكويكبات. طردت الجاذبية الكبيرة للمشتري الأجسام الجليدية التي اقتربت منه إلى مدارات اهليلجية بعيدة أو خارج النظام الشمسي بأكمله، ما يجعله يحتفظ بالزخم أو كمية الحركة الزاوية، وبالتالي يكمل رحلته نحو الداخل. هناك امتداد لهذه النظرية يسمى "نموذج المسمار الكبير" (Grand tack model) التي سميت نسبة للسير الغريب لهجرة المشتري باتجاه الشمس قبل أن يتوقف ليعود للهجرة نحو الخارج.
مثل مركب شراعي يغير اتجاهه نحو العوامة. على المسافة التي يفترض أن يلتحم فيها المريخ لاحقا، حدث كنس للمواد بعيدا بسبب وجود المشتري. وأدى ذلك إلى توقف نمو المريخ والمنطقة الغنية بالمادة التي تشكلت فيها كلّ من الأرض والزهرة، مفسرة أحجامها على التوالي.
يسافر العملاق الغازي كذلك مانعا المواد الحجرية في حزام الكويكبات من التكتل في أجسام أكبر بفعل تأثيرات جاذبيته الكبيرة. رغم أن المشتري بادل مواقعه مع حزام الكويكبات مرتين، كانت التحركات بطيئة جدا لدرجة أن التصادمات كانت ضئيلة، حيث تجسد في إزاحة خفيفة.
النموذج الجميل، Gomes et al. 2005 لكن لماذا توقفت هجرة المشتري إلى الأعماق النارية للشمس؟ لا يسعنا هاهنا سوى شُكر زحل. بينما كان الكوكبان يبتعدان عن بعضهما، يُعتقد أن أنهما أصبحا معلقين في 2:1 صلة مدارية (اثنين مقابل واحد).
هذا يعني أن لكل دورة يقوم بها زحل حول الشمس، يدور المشتري اثنتين. أظهر النموذج الجميل أن اقتران الكواكب زاد من اختلاف المركز المداري وسريعا زعزع استقرار النظام بأكمله.
أجبر المشتري زحل على الابتعاد ، دافعا بذلك نيتون وأورانوس إلى مدارات اهليلجية فائقة أين بعثرت تجاذبيا القرص الجليدي بعيدا داخل وخارج النظام الشمسي.
وقد كاد هذا الاضطراب في الأدوار أن يبعثر القرص الأصلي بكامله. تُظهر بعض النماذج أيضا أن نبتون قد دُفع خلف أورانوس ليصبح أبعد كوكب عن الشمس كما نعرفه الآن. وعلى مرّ الزمان اعتدلت مدارات الكواكب الأبعد إلى المسارات الدائرية تقريبا والتي نرصدها اليوم.
يفسر النموذج الجميل غياب مجتمع كثيف من الأجسام ما وراء نبتون وموقع حزام كويبلر وسحابة أورط.
كما أنه يفسر خليط الأجسام الحجرية والجليدية في حزام الكويكبات، مثل الكوكب القزم الغني بالمياه، سيريس (Ceres) الذي يعود أصله ربما للحزام الجليدي.
يتزامن التناثر السريع للأجسام الجليدية، أي منذ حوالي 4 مليار سنة خلت، مع مطلع الفترة الأخيرة للقصف الثقيل، التي سُجلت في الغالب من الوجه الآخر للقمر. لكن هنالك مشاكل مع النموذج الجميل الأصلي، أين أظهرت المحاكاة أن صلة الاقتران التدريجي 2:1 للمشتري وزحل قد نتجت عن نظام شمسي داخلي مضطرب جدا، توجب أن يكون كوكب المريخ قد طُرد منه.
لاحقا بعد توصل الأبحاث إلى 'النموذج 2 الجميل' (Nice 2 Model)، الذي يقترح من جهته أن التناثر التدريجي للأجسام الكوكبية سبَّب تعلق الكوكبين الغازيين العملاقين في صلة المدار 3:2 (ليس الطرح الأصلي 2:1)، ليسمح بذلك للنموذج الجميل للتعامل مع نظام شمسي داخلي مستقر. انطباع الفنان حول الحزام المتفرق.
وعكس هجرة الغاز المسحوب و الانتشار التجاذبي، تعمل قوى المد عبر سلّم زمني أطول بكثير يمتد لملايير السنين. تبدأ العملية بفعل آلية كوزاي (Kozai mechanism) التي تقترح ضخ الإنحراف المركزي في مدارات الكواكب.
بينما تقوم قوى المدّ بتصحيح هذا الأثر بإعادة مداراتها مستديرة (re-circularising)، فتكون الكواكب في مدارات قريبة. وبينما يُعتقد أن مدارات الكواكب الأرضية بقيت مستقرة قليلا خلال مراحل تطور النظام الشمسي، يُحتمل أن هذه العملية التدريجية قد قامت بتبديل مساراتها قليلا وستبقى تفعل ذلك.
ساعدتنا معرفتنا بكيفية تطور نظامنا الكوكبي في الإجابة على أسئلة كثيرة حول الكواكب الخارجية الغريبة، لكن بقي هناك الكثير لنعرفه. مثل هذا السؤال الذي يقول:
لماذا نرصد العديد من الكواكب الغامضة الشبيهة بالمشتري قريبة من نجمها الأم، ومع غياب تأثير أجسام كبيرة أخرى، ألا يجد ربه أن يكون قد ابتُلع؟ ربما قامت تفاعلات القرص الكوكبي بالانفصال في هذا القرب من النجم وتغلب قوى المد، أو ربما نحن نصوّر اللقطة قبل أن يلقى الكوكب مصيره.
في الوقت الراهن، المزيد من الملاحظات، والأهم من ذلك، المزيد من الاكتشافات حول الكواكب خارج المجموعة الشمسية هي التي ستخبرنا!