السبت، 28 أبريل 2018

هجرة الكواكب 5

ولحسن الحظ، فإن الأرصاد الحديثة التي أُجريت لأجسام حزام كويپر وفرت وسيلة لاختبار صحة هذه النظرية.
وقد اكتُشف أكثر من 174 من هذه الأجسام بحلول منتصف عام 1999، وكان لمعظمها دورات مدارية تزيد على 250 عاما، ومن ثم فقد جرى تعقّبها في أقل من 1 في المئة من مداراتها.
ومع ذلك، فقد أمكن تحديد وسائط parameters مدارية موثوقة إلى حد معقول لخمسة وأربعين من هذه الأجسام (انظر الشكل في الصفحة المقابلة).
 والتوزع المداري لهذه الأجسام ليس له نمط مدارات منتظمة قريبة من الدائرية وصغيرة الميل كما يُتوقع من مجموعة بدائية من الكويكبات التي لم تتعرض للاضطرابات.
 وبدلا من ذلك، فإننا نعثر على دليل قوي على وجود فجوات وتركيزات في هذا التوزيع. وثمة قسم كبير من أجسام حزام كويپر هذه يتحرك في مدارات على هيئة قطوع ناقصة وبرنين 2:3، وهي تشبه مدار پلوتو.
 ثم إن أجسام حزام كويپر الموجودة في مدارات داخل المدار 2:3 غير موجودة تقريبا ـ وهذا ينسجم مع تنبؤات نظرية تراجع الرنين resonance sweeping.
ومع ذلك، فمازال ثمة سؤال مهم: هل توجد أجسام في حزام كويپر في الرنين 1:2 عددها قريب من تلك الأجسام في الرنين 2:3، كما تقتضي نظرية هجرة الكواكب؟
 وما نمط التوزع المداري على مسافات أبعد عن الشمس؟
في الوقت الحاضر، يمكن القول بأن إحصاء أجسام حزام كويپر بعيد عن الكمال، ومن ثَم فلا يمكن تقديم جواب شاف عن هذا السؤال. بيد أن مركز الكواكب الصغيرة Minor Planet Center، في كامبردج بولاية ماساتشوستس، أعلن عشية عيد الميلاد من عام 1998 أنه اكتشف أول جسم في حزام كويپر يدور برنين 1:2 مع نپتون.
وبعد يومين أعلن المركز عن رصده جسما آخر هناك يسير في مدارٍ رنينه 1:2.
ولكل من هذين الجسمين اختلاف مركزي كبير، وقد يتبين أنهما جسمان ينتميان إلى طائفة كبيرة من أجسام حزام كويپر التي تسير في مدارات مماثلة.
وقد حُدِّدَ في البداية أن هذين الجسمين يسيران في مداريهما برنينين 2:3 و 3:5 على التوالي، لكن الأرصاد الحديثة التي أُجريت عام 1998 بينت بقوة أن التحديدات الأولى كانت غير صحيحة.
وتؤكد هذه الحادثة العرضية الحاجة إلى التعقب المتواصل لأجسام حزام كويپر المعروفة بغية تحديد توزعها المداري بدقة.
 ويتعين علينا أيضا الإقرار بأخطار المبالغة في تفسير مجموعة بيانات، مازالت قليلة، عن مدارات أجسام حزام كويپر.



واختصارا نقول إنه على الرغم من عدم إمكان استبعاد تفسيرات أخرى، فإن التوزع المداري لأجسام حزام كويپر يوفّر شواهد قوية متزايدة على هجرة الكواكب. وتوحي البيانات بأن نپتون وُلِدَ بعيدا عن الشمس مسافة قدرها 3.3 بليون كيلومتر، ثم ابتعد عنها نحو 1.2 بليون كيلومتر آخر ـ وهذه رحلة طولها يعادل زهاء 30 في المئة من نصف قطر مداره الحالي: وفيما يخص أورانوس وزحل والمشتري، كان حجم الهجرات أصغر، وربما كانت بنسب 15 و 10 و 2 في المئة على التوالي. وتجدر الإشارة إلى أن التقديرات أقل وثوقية في حال هذه الكواكب الثلاثة، وذلك يعود إلى أنها، خلافا لنپتون، لم تستطع أن تخلّف بصمة مميزة مباشرة في مجموعة أجسام حزام كويپر.



لقد حدثت معظم هذه الهجرات خلال مدة تقل عن 100 مليون عام، وهذه تعدّ مدة طويلة إذا ما قارناها بالمدة التي استغرقها تكوّن الكواكب ـ التي طولها، على الأرجح، أقل من 10 ملايين سنة ـ ولكنها مدة قصيرة مقارنة بعمر النظام الشمسي الذي هو 4.5 بليون سنة. وبعبارة أخرى، فإن هجرة الكواكب حدثت في بواكير تاريخ النظام الشمسي، ولكن في المراحل المتأخرة من عملية تكون الكواكب. لقد كانت الكتلة الكلية للكويكبات المبعثرة نحو ثلاثة أمثال كتلة نپتون. ويرد هنا السؤال عمّا إذا كان من الممكن حدوث تغيرات مدارية أعنف في النُّظُم الكوكبية في أزمنة أبكر، حين كان القرص البدائي المكوّن من الغبار والغاز يحوي مادة أكثر، وربما قدرا أكبر من الكواكب البدائية protoplanets، في مدارات قريبة تتنافس فيما بينها في عملية التنامي.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق