الأحد، 20 مايو 2018

أسباب الأمراض النفسية والعقلية-3

الدماغ ، وحالات التسمم الحاد وكثير غيرها .
وهناك أيضا الخرف الشيخي ، وهو الذي يشاهد عندما تضعف وتضطرب عند المصاب المسن معظم الملكات العقلية ، من التفكير والذاكرة والعاطفة والسلوك ، فإنه يحدث بسبب بعض الأمراض المزمنة  كنقص بعض الفيتامينات التي لها وظيفة أساسية في الدماغ ، مما ينتج عنه موت بعض الخلايا العصبية ، والتي يصعب شفاؤها أو استبدالها بخلايا جديدة ، إن الهذيان يعتبر الشكل الحاد القصير الأمد ، بينما يعتبر الخرف الشيخي الشكل المزمن الطويل الأمد .
وهناك أمراض جسدية عامة لا تنشأ في الدماغ أو الجملة العصبية إلا أنها تسبب أعراضا عصبية ونفسية . فقد تظهر أعراض القلق والاكتئاب بسبب اضطراب في بعض الغدد الصماء ، كغدة الدرق المتواجد في العنق . وكذلك قد يظهر الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية عقب الأمراض الطويلة مثل الإنفلونزا ، والتهابات الكبد ، وأمراض القلب ، والأمراض العصبية والعضلية المعقدة المزمنة . وكذلك من العوامل الهامة في أحداث الأمراض النفسية ما يحدث للمرأة الحامل من عواقب الولادة ، وما يتعرض له الوليد من رضوض وأذيات الدماغ ، فقد وجد مثلا كثرة حدوث رضوض الولادة هذه عند الأطفال الذين يصابون بعد بلوغهم ببعض الأمراض النفسية كالفصام  .
6 – الأزمات والصعوبات الحياتية :
هناك نوعان من الأزمات والصعوبات الحياتية التي يتعرض لها الإنسان ، والتي قد يكون لها أثر على حياته العقلية والنفسية . النوع الأول هو الصعوبات الطويلة الأمد ، والتي تجعل الإنسان عرضة ومهيأ للإصابة بالأمراض النفسية . ومن هذه الصعوبات العيش على دخل مالي دون تلبية الاحتياجات المطلوبة ، أو انعدام العلاقات الاجتماعية بفقدان الأصدقاء والأقرباء ، والعطالة عن العمل ، والمشكلات الزوجية . فهذه الصعوبات تحدث لدى الإنسان توترا ، وغضبا وسخطا ، مما قد يعرضه لبعض المضاعفات النفسية . ومن المعروف أن الأمراض النفسية أكثر انتشارا بين الذين هم معرضون لمثل هذه الصعوبات ، وإن كان يصعب أحيانا معرفة فيما إذ كانت هذه الصعوبات بالذات سببا للمرض النفسي ، أو على العكس أن هذا المرض هو الذي دفع الإنسان للعيش في مثل هذه الظروف المحرومة الصعبة ، بحيث تصعب معرفة السبب من المسبب . وعلى سبيل المثال فقد وجد أن المصابين بمرض الفصام يتعرضون بعد بداية مرضهم للتدهور والتدني إلى مستوى معيشة أقل كثيرا من مستواهم أو مستوى أهليهم قبل المرض . ومن المحتمل أيضا أن ذات الأسباب التي تحدث المرض النفسي تؤدي في نفس الوقت وبأسلوب مباشر إلى الصعوبات الأخرى كالمشكلات الزوجية أو المهنية
والنوع الثاني من الصعوبات الحياتية هي " الحوادث الحياتية الهامة " في حياة الإنسان ، والتي قد تثير وبسرعة المرض النفسي . وقد تعتبر هذه الحوادث " الضربة القاضية " الأخيرة في إحداث هذا المرض لدى شخص كان معرضا للمرض بسبب العوامل الأخرى السابقة الذكر ، إلا أن هذا الإنسان كان متكيفا لحد ما مع هذه الحياة حتى أتت هذه الحادثة الأخيرة  .
وقد صنفت هذه الحوادث بحسب درجة شدتها وتأثيرها على حياة الإنسان إلى عدة أنواع ، فكلما كانت الحادثة أشد ، أو كلما تعددت هذه الحوادث في وقت واحد ، كلما ازداد احتمال تأثيرها السلبي على الحياة النفسية للإنسان . ويأتي على رأس هذه القائمة وأكثرها شدة موت شريك الحياة من زوج أو زوجة ، ويأتي عقب هذا حوادث الطلاق ، ثم وفاة قريب في الأسرة ، وحوادث أخرى من بعد ذلك . وليست كل الحوادث الهامة هذه بالضرورة حوادث محزنة أو غير مرغوب فيها ، وإنما هناك الزواج والانتقال إلى منزل جديد ، واستقبال مولود في الأسرة ، والسفر للخارج ، كلها حوادث رغم كونها مفرحة إلا أنها قد تزيد في قلق الإنسان ، وتحدث اضطرابا في تكيفه العام  .
ويعتقد بشكل عام أن الحوادث الحياتية هذه تحدث الاكتئاب عند المعرض للمرض إذا ما شعر هذا الإنسان باليأس ، وفقد الأمل عقب فقدان قريب أو عزيز ، أو حتى عقب خيبة أمل في أمر من الأمور ، بينما الحوادث التي تسبب بعض المخاطر أو التهديد بالأذى أو الموت كالعمليات الجراحية ، والكوارث الطبيعية ، فإنها أقرب إلى إحداث القلق والاضطراب ، وإن كان هذا ليس بالضرورة . ويبدو أن الناس يتفاوتون لحد كبير في مدى تعرضهم وتهيؤهم وتحملهم للآثار السلبية لحوادث الحياة .
7 – فقدان الدعم والتأكيد الاجتماعي :
إن العزلة الاجتماعية ، وانعدام الأصدقاء والأقرباء من حول الإنسان لتزيد من احتمال تعرضه للأمراض النفسية ، وخاصة وقت الأزمات . فوجود صديق أو عزيز يفتح له الإنسان قلبه ، ويشرح له ما يقلقه ، ويشاركه الرأي في معالجة مشكلة من المشكلات لأمر مفيد ونافع للصحة النفسية . فشعور الإنسان بالانتماء لمجموعة معينة من الناس أمر يخفف عنه من الشعور بالعزلة والإنفراد . وقد تحدث هذه العزلة بسبب هجرة الفرد إلى مدينة غير مدينته بعيدا عن أهله وأصدقائه ، أو بالاغتراب إلى بلد لآخر ، أو قد تتواجد لدى المجتمعات التي تضعف فيها العلاقات الاجتماعية والأسرية . ولذلك فالقيم والممارسات التي تدعو وتؤكد على صلة الرحم لتفيد كثيرا في حفظ صحة المجتمع ، والوقاية من الاضطرابات النفسية . وتعمل العلاقات الحميمة الودودة كعامل وقاية ضد الآثار السلبية والصدمات الناتجة عن الحوادث المعاشية ، والشيء الهام هو نوعية هذه العلاقات ، فعلى سبيل المثال إن الفرد الأعزب قد يكون أكثر عرضه للأزمات النفسية من المتزوج ، ولكن زواجا غير ناجح ، بما فيه من اضطرابات ومشاكل أسرية قد يكون بحد ذاته مصدرا للأزمات ، بدل أن يكون سكنا ومعينا على مثل هذه الأزمات .
ولا يعرف بشكل دقيق كيف يؤثر الدعم الاجتماعي في التخفيف من التعرض للازمات النفسية ، مع أته من الواضح وجود الأثر الوقائي  ولكن يجب الانتباه هنا لنفس الأمر الذي ذكر من قبل ، حول صعوبة التفريق بين سبب المرض ونتائج المرض ، لأنه يحتمل أن المصاب بالاكتئاب لم يكتئب لفقد أصدقائه وإنما على العكس فقد فقدهم بسبب مرضه ، وبسبب أثر هذا المرض على علاقاته مع الآخرين . ويحتمل أيضا أن يدعي هذا المكتئب بأنه لا قريب له ، ولا حميم ن لا لفقدانهم حقيقة ، وإنما في الواقع بسبب عاطفته المكتئبة ، وأثرها على نظرته للحياة والآخرين ، فهو لا يرى إلا الجوانب السلبية في حياته وحياة الآخرين .
8- الحمل والولادة :
ليس هناك ما يشير إلى أن الحوامل أكثر عرضة للأمراض النفسية ، إلا أن الولادة بحد ذاتها ، قد تسبب بعض الحالات النفسية من الاكتئاب ، والتشوش الذهني ، وحتى شكل من الفصام القصير الأمد . وقد تبدأ هذه الحالات ولأول مرة بعد أيام من الولادة . ولا يعرف تماما أسباب ارتباط الولادة ببعض الأمراض النفسية ، إلا أنه يقترح أن هناك دور هام للتبدلات الهرمونية وقت الولادة ، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالجهد والإنهاك وقت الولادة ، وكذلك الصعوبات النفسية والاجتماعية التي قد تصاحب استقبال المولود الجديد ، وخاصة لدى الأم التي تفتقد الخبرة العملية في رعاية وليدها ، أو التي لا تتلقى الدعم والمساعدة والتأييد الاجتماعي الأسري الكافي ممن حملها .
9- التقليد والاكتساب بالتعلم :
قد تكون بعض أنواع الأمراض النفسية الخفيفة كالقلق والرهاب أو الهلع ، نتيجة لعملية تعلم خاطئ وفق مبادئ المنعكس الشرطي في المدرسة السلوكية . وهذا يعني ببساطة ، أن الذي يتعرض مثلا لحادثة مخيفة في ليلة من الليالي ، كهجوم كلب عليه ، قد يتطور عنده الأمر ليصبح مصابا بالرهاب من الليل ، أو الظلمة بشكل عام . وقد يتطور الأمر أكثر ، فإذا المصاب يخشى من الخروج من منزله ، ولا يعود يشعر بالطمأنينة إلا في منزله ، إلى حد لا يستطيع معه متابعة عمله وواجباته اليومية خارج المنزل .
والخلاصة حول أسباب الأمراض النفسية ، أن هذه الأمراض قد تنتج عن أسباب متعددة متداخلة ، نفسية واجتماعية وعضوية ، والغالب أن يشترك أكثر من عامل واحد من هذه العوامل ، وإن كنا نجد أحيانا الأثر الأكبر لأحد هذه العوامل دون غيره .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق