يقصد بالانحرافالضلال والفساد والبعد عن جادة الصواب وعلى ذلك يمكننا وصف أي سلوك تنطبق عليه هذه الأوصاف بأنه منحرف . وهكذا ، ينظر إلى المجرمين والمرتشين والمختلسين والنصابين والمهربين وتجار المخدرات ومتعاطيه والشواذ جنيسا ... على أنهم جميعا منحرفون نفسيا.
والفرق بين الانحراف النفسي والسيكوباتية ، هو أن الاضطراب النفسي يكون متعلقا بالجوانب الأخلاقية ومضادا لقيم المجتمع وقوانينه منهما ، إلا أن السيكوباتية أقل في تكرارها وأشكالها ، ولا يكاد يحقق السيكوباتي من سلوكه فائدة لها قيمه ، وكأنه ينفذ سلوكه لا لشيء إلا للسلوك في حد ذاته ، كما أنه لا يخطط لسلوكه ولا يتكتمه عادة ، ولا يخجل إن ضبط متلبسا بالسلوك السيكوباتي .
ونتحدث فيما يلي – بإيجاز – عن أمثلة لهذه الانحرافات النفسية الأكثر خطورة وانتشارا في مجتمعنا الفلسطيني :
1 – الانحرافات الجنسية :
أول ما يقفز إلى الذهن لدى كثير من العامة والمثقفين بل والمتخصصين أيضا ، عند ذكر كلمة منحرف ، " الانحرافات الجنسية "
تعريف الانحراف الجنسي :
هو أي شكل من أشكال الممارسات الجنسية التي لا تستهدف الإشباع الجنسي السوي عن طريق الاتصال الطبيعي والمشروع اجتماعيا بين الذكر والأنثى .
حالة انحراف جنسي ( البرود الجنسي ) :
هناك الزوجة التي تزوجت ، ومع ذلك فإن زوجها لا يستطيع الاقتراب منها .... إذ أنه بمجرد أن يقترب مها تصاب بحالات التشنج .. والاضطراب العضلي ، بحيث يضطر الزوج أن يبتعد عن زوجته ويعيش معها وكأنها ليست زوجته " .
أسباب الانحرافات الجنسية :
تتعدد أسباب الانحرافات الجنسية ومنها :
1 – الأسباب الحيوية :
كالاضطرابات الفسيولوجية مثل خلل الجهاز العصبي الذاتي ، وخلل الجهاز التناسلي ، واختلال إفرازات الغدد ، والبكور الجنسي أو تأخر البلوغ ، والعقم ، ونقص نمو الخصائص الجنسية الثانوية ، والبلوغ الجنسي وما يصاحبه من سوء توافق ونقص في المعلومات والانزعاج والقلق والمخاوف ، ونقص التربية الجنسية وانعدامها ، والعنوسة ، والحمل غير المرغوب فيه ، وعدم الرغبة في الحمل ، والخوف من الأمراض التناسلية ، والاضطرابات الولادية ، والأمراض المعدية ، وأمراض المخ ، والأمراض العقلية ، وموانع الاتصال الجنسي الطبيعي والإصابات والعاهات والتشوهات الخلقية .
2 – الأسباب النفسية :
كالصراع بين الدوافع والغرائز وبين المعايير الاجتماعية والقيم الخلقية وبين الرغبة الجنسية وموانع الاتصال الجنسي ، والاحباط الجنسي وخواف الجنس ، واضطراب النمو النفسي الجنسي ، والتثبيت على مرحلة سابقة ، وعدم النضج الانفعالي والكبت واستحالة الإعلاء ، والنكوص الانفعالي والتقمص العكسي ، والخبرات السيئة الصادمة والخبرات الجنسية في الطفولة ، والعدوان اللاشعوري ، والعادات غير الصحية ، والشعور الذاتي بعدم الكفاءة الجنسية ، والعقد الجنسية غير المحلولة كعقدة أوديب وعقدة ألكترا وعقدة الخصاء . وفي بعض الأحيان يكون الضعف العقلي من أهم الأسباب . وعدم الشعور باللذة والسعادة في الحياة مما يدفع الفرد إلى الجنس كمصدر للذة .
وأوضحت الأبحاث الحديثة في المدرسة السلوكية والعلاج السلوكي القائم على هذه المدرسة أن نشأه هذه الأمراض سببها تكوين انعكاسات شرطية مرضية في حياة الفرد ، كأن تكون أول تجربة جنسية له مع نفس الجنس ، وتتكرر هذه العملية حتى يتولد عنده انعكاس شرطي يفيد أن اللذة تصاحب العلاقة مع نفس الجنس ، ومن ثم إن حاول بناء علاقة مع الجنس الآخر ، فإصابته بالفشل ستعزز عودته لنفس الجنس ، وبالتالي تعزز الإنكاس الشرطي السابق ، يزيد على ذلك نشأة المريض في بيئة أسرية تعزز ضعفه ، خاصة مع الأم المسيطر والأب الضعيف ، وقد فسرت معظم الانحرافات على أساس هذه الانعكاسات سواء الجنسية المثلية ، أو الانقلاب ، أو السادية ، أو الماسوشية أو الفيتيشية ....... إلخ .
3 – الأسباب البيئية :
كاضطراب التنشئة الاجتماعية في الأسرة وفي المجتمع ، والصحبة السيئة ، وطول البقاء في مؤسسات داخلية مع نفس الجنس كما في السجون والجيوش مثلا ) ، وسوء الأحوال الاقتصادية ، وكثرة المحرمات والمحظورات ووفرة المثيرات الجنسية ، والانفصال والطلاق والترمل .
أعراض الانحرافات الجنسية :
وفيما يلي أهم أعراض الانحرافات الجنسية :
1 – نحو نفس الجنس : الجنسية المثلية :
وفيها يجد الفرد لذته الجنسية الأساسية عن طريق العلاقة الجنسية بفرد من نفس جنسه . وهكذا ، يجد الذكر لذته الجنسية بشكل أساسي عن طريق اتصاله بذكر آخر ، سواء أكان يقوم بالدور الإيجابي أم يقوم بالدور السلبي في هذا الاتصال . أما اتصاله الجنسي بأنثى فلا يجلب له إلا قدرا ضئيلا أو ثانويا من اللذة ، وقد لا يجلب له لذة على الإطلاق ، بل يمارسه بتقزز ونفور ، وعلى الجانب المقابل فإن الأنثى المصابة بالجنسية المثلية تجد لذتها الجنسية الأساسية في الاتصال بالأنثى ، سواء قامت هي بالدور الإيجابي أو بالدور السلبي في هذا الاتصال . أما إن اتصلت جنسيا بذكر ، فهي لا تجد فيه إلا لذة طفيفة ، أو لا تجد على الإطلاق أية لذة ، وربما تحس تقززا ونفورا .
2 – السادية :
تدل على انحراف ينحصر عامة في استمداد ( اشتقاق ) اللذة الجنسية مما يلحق الغير من ألم بدني ونفسي . والشخص الذي يقع عليه هذا الألم قد يكون من نفس الجنس الذي ينتمي إليه السادي ، أو قد يكون طفلا أو حيوانا ، وفقا لارتباط الانحراف بالجنسية المثلية أو عشق الأطفال أو الحيوانية . كما أن الشخص الذي يقع عليه هذا الألم قد يكون – أيضا – الزوجة أو الزوج ، أو المحبوب من الجنس الآخر . وقد يكون الألم الذي ينزل بالضحية ألما ماديا ( من ضرب ووخز وعض وتشويه قد يصل إلى حد القتل ) ، أو نفسيا ( في صورة التجريح والإذلال ) . وقد لا يعدو أن يكون الألم في بعض الأحايين مجرد افتعال وهو ما يسمى ( بالسادية الرمزية ) . وقد يكتفي السادي بمشاهدة الألم ، لكنه عادة ما يتسبب فيه ذاته . وكذلك ، فقد يكون الإشباع مقصورا على المجال النفسي ، ولو أن الغالب أن يكون مصحويا بإحساس جنسي ينتهي بالتفريغ الجنسي تلقائيا أو عن طريق الجماع أو الاستمناء كحالة الزوج الذي يستمر في تعذيب زوجته مع إصراره على عدم الطلاق . والقصة المشهورة عن القروي الذي يذبح القطة في ليلة زفافه .. أنه يفعل ذلك أمام زوجته التي تبدأ حياتها معه .. لترى أنه حازم ... وقوي
3 – المازوخية :
في معناها الواسع هي اشتقاق الفرد للذة من قيام الآخرين بتعذيبه وتوجيه العدوان إليه ، سواء أكان عدوانا ماديا ( كالضرب والإيذاء البدني ، أم كان عدوانا معنويا ، كتحقير الفرد وإهانته وجرح كرامته والسخرية منه وإظهار هوان شأنه , ودنو منزلته وعدم اعتبار مشاعره ، وعرقلة مصالحة والوقوف ضدها .
وفي معناها الضيق هي نوع من الشذوذ أو الانحراف الجنسي ، سواء لدى الذكر أم لدى الأنثى ، عندما لا يجد الفرد لذته الجنسية أساسا إلا إذا كانت مصحوبة بالأذى يوقعه عليه الطرف الذي يمارس معه الجنس ، سواء أكان هذا الأذى ماديا أو معنويا ، وسواء – أيضا – أكان قبل الفعل الجنسي أم أثناءه
. كحالة المرأة التي تحب الرجل الذي يشعرها بضعفها ... ويقسو عليها بعض الشيء ... .
وهكذا يلاحظ أن المازوخية عكس السادية تماما ، ولكن إذا كانت السادية تعبر عن غريزة التدمير أو العدوان المتجه إلى الآخر ، فإن المازوخية تعبر عن غريزة التدمير أو العدوان الموجه إلى الذات ، بل إن كثير من المحللين النفسيين يضيفون إلى ذلك أن الأنا الأعلى يستخدم الألم والإيذاء في المازوخية لمعاقبة الذات حتى يمكن تحييد عقدة الشعور بالذنب جزئيا والتكفير عنه
4 – البغاء :
ونعني به تسليم شخص جسمه إلى آخر يستخدمه للإشباع الجنسي وذلك لقاء مقابل مادي ، دون اكتراث عاطفي أو تمييز بين فرد وآخر فالأنثى البغي تسلم جسدها دون أي تمييز بين الذكور . ومن الشائع أن البغاء يرتبط بالإناث دون الذكور ، بل إن بغاء الذكور قد عرف منذ مدة طويلة .
ومن الجدير بالذكر أن البغاء في كثير من الحالات يكون ناتجا عن ظروف اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى ، تلجأ إليه البغي مضطرة غير مرحبة ولا سعيدة به عندما تجد فيه الوسيلة السهلة للتكسب وإشباع طموحاتها المادية التي تلهث وراءها ، فيستغلها الآخرون من نقطة الضعف هذه . على أن هذا لا يتعارض مع وجود بعض العوامل والدوافع النفسية الشعورية واللاشعورية المؤدية إلى هذا النوع من الانحراف ، مثل الاستمتاع الجنسي ، وإشباع الدوافع السادية والمازوخية وضحايا الروابط الانفعالية بالآخرين وسطحية العلاقة معهم ، وزيادة القابلية للإستهواء ، وسيادة الجوانب السيكوباتية ، والعجز عن حل الصراعات النفسية حلا إيجابيا بناء
5 – الأثرية أو الفتيشية :
وهي التعلق الجنسي بالأشياء التي يستعملها الجنس الآخر ، كاللباس أو جزء من جسمه كالشعر مثلا ، والإشباع عن طريقها بدلا من الشخص نفسه .
6 – المظهرية : وهي الاستعراض أو الاستعراء في الأماكن العامة ، والرغبة في لبس ملابس الجنس الآخر والتشبه بهم .
علاج الانحرافات الجنسية :
وفيما يلي أهم توصيات علاج الانحرافات الجنسية :
1 – العلاج النفسي :
خاصة التحليل النفسي والعلاج الجماعي والمساندة الانفعالية والشرح والتفسير والإقناع وعلاج القلق والخوف والاكتئاب وتوهم المرض ، وإيضاح الأضرار النفسية للإنحراف والشذوذ الجنسي وعلاج الشخصية ككل ، وعلاج كل الأسباب النفسية وخاصة أسباب عدم السعادة وتنمية الشخصية نحو النضج . ويفيد هنا العلاج السلوكي ( الاشراط السلبي للمثيرات الجنسية للسلوك غير المرغوب بخبرة غير سارة كالقئ أو أي خبرة سيئة أخرى ، والاشراط الاجابي للمثيرات الجنسية بخبرة سارة
2 – إرشاد الشباب :
بخصوص الزواج وشرح الحقائق الحيوية ، وإثارة الرغبة في العلاج ، وتكوين اتجاهات جديدة أحسن نحو نفسه ونحو مشكلته ، والتركيز بصفة خاصة على تحذير الفرد من أخطار الانحراف الجنسي تحذيرا مبنيا على أسباب علمية لا على مجرد الخوف ، وتشجيع فكرة ادخار واستثمار الطاقة ، وتأكيد قوة الإرادة وتفوقها على قوة الغريزة . ويجب الاهتمام بالإرشاد الديني والتربية الدينية والتربية الخلقية والتربية الجنسية السليمة .
3 – العلاج البيئي :
بتحسين العلاقات الاجتماعية بصفة عامة ، وتشجيع الميول والهوايات العملية والعلاج بالعمل وتشجيع العمل اليدوي كمصدر للسرور واللذة ، والتمتع بالفسحة والهواء الطلق .
4 – العلاج الطبي :
باستخدام الهرمونات والمقويات أو عقاقير ضبط الدافع الجنسي ، والعلاج بالكهرباء الخفيفة أحيانا ، ومضادات الاكتئاب ... إلخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق