الأعراض العامة للهذاء :
هناك أعراض عامة أهمها الأوهام والهذيانات والمعتقدات الخاطئة الجامدة المنظمة الدائمة التي تطغي على البصيرة ، والدفاع بحرارة عن هذه الأوهام والهذيانات ومحاولة إقناع الآخرين وتوجيه كل الاهتمام إليها وتمركز السلوك حولها . ويدور الهذاء عادة حول موضوع واحد مثل الزواج أو الدين أو النشاط السياسي ، وأوهام التأثير والتأثر ، حيث يعتقد المريض أن قوى خارجية تؤثر فيه ، وتسيطر عليه رغم إرادته ، وأوهام جسمية في شكل أفكار غريبة وشاذة عن جسمه ( كأن يعتقد أن الناس يتكلمون عنه ووسائل الإعلام تشير إليه ) .
والتمركز الشديد حول الذات .وتفسير سلوك الآخرين من وجهة نظر شخصية ذاتية بحته مع الميل إلى تزييف الحقائق وتشويهها . وسوء التوافق الاجتماعي .
والسلوك الجانح مع تغلب الغضب والعدوان والنقص الواضح في البصيرة .
أعراض الهذاء الاكلينكية :
للهذاء أعراض اكلينيكية أهمها ما يلي :
1 – هذاء العظمة أو توهم العظمة :
حيث يعتقد المريض إعتقادا قويا بأنه شخص عظيم وأذكى وأقوى البشر ، وأنه يحصل على قوة خارقة للكشف عن الظواهر الغيبية ، أو أنه مرسل بدين جديد لهداية الناس ، أو أنه حاكم أو زعيم أو قائد أو بطل كبير أو ملك ملوك العالم أو مخترع جبار أو نبي أو رسول ، أو أغنى الأغنياء بما يملك من جبال من الذهب أو لديه القدرة على قراءة أفكار الناس وفهم ما يدور بخلدهم دون الحاجة إلى الكلام .. إلخ ، ويؤمن بأهميته وتفوقه وامتيازه وعظمته وخطورته ورفعته . وقد يعتقد أن لديه قوى خارقة أو سحرية (7) . وعادة ما تتبع هذاءات العظمة إحساس بالنقص وعدم الاستقرار والأمن ، ومن ثم ترضي هذه الهذاءات هذا الشعور بالنقص ، وتجعله يهرب من المشاكل اليومية وحقيقة أمره .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
شاب ، في السادسة والعشرين من عمره ، كان ترتيبه الثاني في امتحان الثانوية العامة ، منذ بضعة سنوات ... ثم دخل كلية الهندسة ، واستطاع أن يصل إلى تفسير جديد ، يرجح اختراع معدن نادر من مخلفات معادن رخيصة ، وقد كان تفسيره لهذا الاحتمال واقعيا ومسلسلا إلا أن الافتراضات كانت أكبر من احتمال الحقائق العلمية المتاحة ، وقد استقبل أساتذته هذا الاختراع بتقدير طيب ، من حيث الفكرة ، وإن كانوا قد رفضوا تفاصيله ... وطالبوه بمزيد من الصبر دون التخلي عن محاولة البحث عن جديد طالما أنه متفوق في دروسه ..
إلا أن الطالب بدأ بعد ذلك في تفسير أحاسيسه الجسمية ، تفسيرات كيميائية خاصة ، حتى وصل إلى تشخيص خاص ، وهو أنه عنده شيخوخة مبكرة ، وظل يتتبع هذا الفرض ويثبته بتاريخ عائلي ، وبحقائق كيميائية صحيحة ، تتعلق بتمثيل المواد الدهنية وترسيبها وإحداثها لتصلب الشرايين ، واستمر هذا الاعتقاد عنده لمدة سنتين ، منتظما مرتبا ، ثم قال أنه عالج نفسه منه بفيتامين هـ ... وشفي ، وأن هذه أول حالة في العالم من نوعها ، وانتقل بعد ذلك بهدوء إلى أنه الآن مصاب بزيادة في نشاط الجهاز العصبي الباراسيمبتاوي ، وأن كل مظاهر اضطراب جسمه وتوقفه الدراسي وزيادة عرقه ناتجة من هذا الاضطراب بوجه خاص ، وكان من نص كلامه " .... أنا عندي زيادة في إفراز الأسيتيل كولين ، ولازم آخذ أرتان ، إذا كنتوا عايزين تخففوني ... والعرق ونبضات القلب كلها دليل على كده ... أنت عارف أن الغدد العرقية طبعا رغم أنها سمبتاوية إلا أن نهايتها كولينرجيك ... تلاقيك ... نسيت وأنت دكتور ، أصلي أنا أذكى منك .
شوف أنت طالع كام في الثانوية العامة وأنا طالع كام ، وتلاقيك مش عارف اسم الأرتان الكيماوي ... أنا مش حقول لك .... إلخ .
وكان يحفظ كل الأسماء الكيميائية للعقاقير المضادة لنشاط الجهاز العصبي الباراسمبتاوي ، ويعرف مراكز عملها وطبيعته .
وكان والده يصدقه في كل هذه المعتقدات مرحلة بعد مرحلة ، ويعلن ذلك حينا ويخفيه أحيانا .
ورغم كل هذا فإنه ظل محتفظا بعلاقاته الاجتماعية ، وتفاعله العاطفي مع الآخرين الذين كانوا في العادة دائمي الإعجاب بتسلسل أفكاره ، وبهذا القدر الهائل من المعلومات الطبيعية الكيميائية الصحيحة – بغض النظر عن طريقة ترتيبها أو سوء تأويلها أو موقع الاستشهاد بها
أما توافقه الدراسي ، فم نستطع أن نفسره بضعف الإرادة أساسا ،فقد كان تاريخيا لاحق لهذه الضلالات ، وكان تفسيره دائما بأنه نتيجة لهذا الاضطراب العضوي ، فهو غير قادر على بذل الجهد المناسب في الدراسة ، وخاصة أن هذه النظريات العلمية التي تفسر حالته تستغرق كل جهد عقلي له .
وقد عولج بشتى أنواع العقاقير ( المهدئات العظيمة ) ، والجلسات ودخل عدة مستشفيات ولم تتحسن حالته إطلاقا ، وحين بدأ وضع خطة تأهيل محكمة ، وخطة سلوكية لرفض هذه الضلالات وإحباطها تعاون في بداية الأمر متحديا أن يغير أحدهم فكرة ، وكان مطمئنا طول الوقت اطمئنانا يقينيا بأن هذا مستحيل أصلا ، وفي الوقت الذي بدأ يتغير فيه قليلا ويستمع إلى الرأي الآخر بإنصاف نسبي ... بدأ يتزايد القلق عنده رغم محاولاته لإخفائه ...
ثم استأذن لأجازة مؤقتة ، واعدا أنه يعد العدة لاستكمال دراسته ( بغض النظر عن وجود هذا الاضطراب العضوي الذي هو متأكد من حقيقة وجوده ، ولكنه اختفى ولم يعد أبدا ... وساهم في الوعد الكاذب هذا تردد والده .. واعتقاده بصحة أفكار ابنه مائة في المائة " .
وهكذا نجد كيف أن هذه الحالة قد بدأت بمحاولة خلق حقيقي تقبلها أولوا الرأي بقبول حسن ، إلا أنها انحرفت إلى ضلالات ثابتة ، وإن تغير محتواها على مرحلتين .
ثم نلاحظ أن عملية التفكير ذاتها لم تتفكك أبدا ، وقدرته على التجريد ظلت سليمة تماما طول الوقت كما ظلت عواطفه حارة وغنية .
كما نلاحظ كيف أن تصديق والده له جعله يتثبت أكثر على أوهامه ، ولا يستجيب لأي علاجات عضوية .
وأخيرا فعلينا أن نلاحظ أنه في اللحظة التي كاد الجهاز الضلالي يهتز ، انسحب المريض ( بموافقة والده ) خوفا على تماسك شخصيته ( وإن كان تماسكا مرضيا )
2- هذاء الاضطهاد أو توهم الاضطهاد
حيث يعتقد المريض أنه شخص مضطهد مظلوم يسيء الناس معاملته ، وأنه ملاحق من قبل هيئة أو منظمة أو شخص معين للاعتداء عليه أو قتله حسدا ، أو غيرة منه ، أو رغبة في التخلص من منافسته في العظمة وعلو الشأن أو أن الآخرين يحاولون ويخططون لإيذائه وتحطيمه وأنهم يكيدون له كيدا ، ويأتمرون به ليقتلوه ( فيضعون له السم في الطعام ) ، فيشكو من أنهم يتعقبونه ، وأنه فريسة لمؤامرة كبيرة لإدخالة السجن ، فيشعر بالنقص وعدم القيمة وينعزل . ويملؤه الخوف والرعب الشديد من المؤامرة التي تدبرها له زوجته أو أقربائه للخلاص منه ، فيصبح في شك في كل من حوله . وقد يعتقد أن المخابرات تتجسس عليه وأن الشرطة تتبعه ، وقد يفسر الحركات البريئة للآخرين على أنها موجهة ضده ، وقد يملؤه الشك ( مثل الشكل في علاقات جنسية للزوج ) ، والغيرة والغضب والاستياء والغل والحقد والكراهية والعداء ( لمضطهديه وأعدائه المزعومين ) ، والميل للانتقام والضياع والحزن ، وقد يصل الحال إلى الاكتئاب والتفكير في الانتحار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق