وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
سيد ، عمره (40 سنة ) ، لم يتزوج ، ويعمل بوظيفة كتابية في بنك ، جاء يشكو من أن شخصا أطلق عليه إشاعة في دمنهور ... بعد ما عرض علي أن أتجوز بنته ، وكانت ظروفي ما تسمحش ، قال إني ما ليش في الناحية الجنسية .. ، ومن يومها الناس بتبص لي ، وبيتكلموا علي ، وحاسس إن فيه مؤامرة عشان رفضي ... " ... ووصل به الحال بعد ذلك أنه كان جالسا في قهوة ، فشعر بنظرات الناس متجهة إلى مكان حساس بجسمه .... فظن أنهم ينكرون رجولته ... فقام فجأة وكاد أن يتعرى جزئيا ... ليثبت لهم رجولته : ويعمم الأمر ، ويفسر عدم زواجه بأن هذه الإشاعة ، وراءه في كل مكان ..
وبدراسة تاريخه ، وجد أنه ساكن في فندق في القاهرة ، منذ أسابيع مع أن عمله بالأقاليم ، ويقول " .... اللي مخليني أسكن في مصر أن الإشاعة دي ورايا في البلد ... ما اقدرش أقعد على قهوة أو أقول لحد صباح الخير " .
وتبين من تاريخه الوظيفي أنه غير وظيفته عدة مرات ، حتى التحق من خمس سنوات بوظيفته الحالية ، وكان في علاقاته العاطفية والجنسية شكاكا ، مما حال دون زواجه حتى هذه السن ، وكان يشير إلى نوع غريب من علاقته بالذكور " ... ولو واحد راجل بص لي شوية أحس انكمائ شديد في عضوي " .
وقد استجاب هذا المريض للعلاج بسرعة ، وعاد إلى حالته قبل المرض دون آثار صريحة أو خطيرة
3 – هذاء الهلوسة المزمنة :
ويتصف بوجود اضطراب في المجال النفسحسي ، يمثل الخلل الأساسي في هذا المرض ، فإذا وجدت ضلالات ، فإننا قد نستطيع أن نرجعها إلى هذا الاضطراب ، وقد تأتي الهلوسات من أي مصدر من الحواس الخمس ، مثل أن يشم المريض روائج كريهة ، أو يرى مناظر بشعة ، أو أن يعيش أ ي هلوسات أخرى وقد يسمع صوته ، أو " صوتا داخليا يهدد أو يعلق أو يؤيد أفعاله وسلوكه بصفة عامة ، كما لابد أن نشير أن الاضطراب النفسحسي لا يمثل نواة الضلالات فحسب ، بل أنه يستمر يشغل حيزا موازيا للضلالات في الصورة الاكلينيكية .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
سيدة ، مطلقة ، عمرها ( 40 سنة ) ، وليس لها أولاد ، تعيش وحدها معظم الوقت ، وتنتقل أحيانا إلى أختها بضعة أيام في الشهر ، وتعمل في حياكة الملابس بصفة غير منتظمة في منزلها ، وتربي عدة قطط لديها ، وقد أحضرتها أختها لأنها لاحظت عليها أنها تكلم قططها ، وكأنها ترد عليها . وبسؤالها ، حاولت أن تخفي حقيقة ما عندها بأن تقول أنها " تتونس ليس إلا " ، ولكنها بعد أن أطمأنت ذكرت أنها تعيش منذ سنوات – حتى قبل طلاقها – تسمع صوتا واضحا يوجهها ويرشدها إلى ما ينبغي ومالا ينبغي ... وأحيانا يرضى عنها تماما وأحيانا أخرى يتشاجر معها ، وهو الذي تسبب في طلاقها من زوجها الذي أصبحت لا تطيق الرائحة السامة التي بدأت تفرز منه أثناء الجماع بعد أن نهرها هذا الصوت عن الحياة معه ...
أما حكاية القطط هذه ، فقد ذكرت أنها كانت تخفي بها حقيقة الصوت حتى لا يتدخل أحد في شئونها ، وقد قالت أنه أحيانا ما يختفي بعض الوقت وخاصة عندما تزور أختها .. وهي تعذره إذ ذاك ، وتكاد ترتاح لذلك خشية أن يسمعه أحد غيرها هناك ... إلا أنها لا تحتمل أن يغيب أكثر من بضعه أيام ، وأحيانا بضعة ساعات ، وإذا زاد الأمر عن توقعها كادت تفقد اتزانها ... رغم أنه يخيفها ويزعجها .
وكان من نصل كلامها : " باخاف منه ساعات ... خصوصا لما أكون رايحه المطبخ والدنيا ظلمة ، ومش واخده في بالي ... ولما تحكم رأيه إني ماولعش النور ، وأنني ماشية على نور السهراية ... لدرجة إني مابقتش أقوم بالليل حق لو مت من العطش " .
ولم توافق على العلاج أصلا ، لأنها لا تعتبر ما عندها مرضا ، وقد ذهبت تفكر في الأمر ، حين شرح لها المعالج احتمال تطور الحالة إلى ما هو أشد ، أو إلى ما يعوق حياتها العملية وأكل عيشها ... ولكنها لم تعد أبدا ...
وهكذا نرى إزمان الهلوسات ووظيفتها في تماسك الشخصية وملء فراغ الوحدة ... ولكنها هي أيضا السبب في فرض الوحدة بالطلاق ، ومرة أخرى هنا أيضا نشير إلى الانعزال ( وهو يشبه أحد صفات الفصام الرئيسية ) جاء هنا نتيجة للاضطراب النفسي ، ولم يبدأ هو أولا ، ثم ظهرت الهلوسات لتملأ الفراغ ... ، ومع ذلك فإن نظرة أعمق لهذه الحالة نجد أن العجز العاطفي عن التواصل مع الزوج كان وراء ظهور الأصوات ، والأمر بالترك ، والرائحة الكريهة ، ثم الطلاق ... إذن فهي مستويات تغذي بعضها بعضا ، وتكاد تصل إلى نفس النتيجة لولا أن الشخصية ظلت شديدة التماسك ، وظل التفكير واضحا مسلسلا ، بفضل هذا الجهاز الهلوسي الناجح
4 – الهذاء التخيلي المزمن :
ويتصف بوجود تخيلات مرضية تسير جنبا إلى جنب مع الحياة الطبيعية ، وهي ظاهرة تتصل بشكل ما بظاهرة الانشقاق . وإن كانت هذه الظاهرة تمثل إشكالا تشخيصيا ، فهي في موقف وسط بين الهلوسات من ناحية ، وبين صور الذاكرة والذكريات من ناحية أخرى ، كما أنها في موقف وسط بين حدوثها في وعي محور جزئيا لا هو بالوعي الواضح الثابت كالهلوسات ولا هو بالوعي البديل المختلف تماما كالانشقاق الهستيري .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
موظف ، أرشيف ، لم يتزوج وعمره (38 سنة ) ، جاء يشكو من صداع في الصباح ، وقال أنه لا يعتقد أن حالته نفسية ، ولكنه جاء استجابة لتوصية أخصائي الأنف والأذن ، وحين سئل عن سبب عدم زواجه حتى هذه السن تردد قليلا وقال : أنه لا يحتاج إلى زواج ، وأن النساء لا يؤتمن ... وقد تبين بعد فترة أنه كان قد خطب منذ سنوات زميلة له ، ثم جعلت تؤجل الرد أسبوعا بعد أسبوع لمدة ثلاث شهور ... وأخيرا لبست الدبلة من خطيب آخر ، ولم ترد عليه بالرفض إلا بعد أن رأى الدبلة في إصبعها ... وقد مضت عليه بعدها عدة ليالي دون نوم ، ثم حلم حلما يشير إلى أن الله سيعوضه عن ذلك كله ، لأنه حفظه من شيطانات الأنس ، ولم يزد على ذلك إلا أنه بعد عدة مقابلات ، بدأ يحكي عن أنه " مخاوي " ... وأن هذه هو التعويض الحقيقي ... وأن الناس لو عرفوا أن الزوجات من تحت الأرض أكثر جمالا وطاعة م بنات الأنس " المقرفات " لما تزوج أحد .
ويقول بالنص : " .... تعرف لو ربنا عرفك وعرف كل الناس فضل الزوجات من تحت الأرض ، ماحدش حايتجوز ولا حايخلف ويمكن البني آدميين تخلص ... بس ربنا عايز يحافظ على الجنس البشري لحكمة ما يعرفهاش حد "
وهكذا نرى أنه لم يحضر يشكو من هذه التخييلات ، بل من عرض جسمي آخر ، لم يجد المعالج له سببا عضويا ، كما نلاحظ تمسكه بالخيالات ووظيفتها التعويضية ، إلا أنه لم يحكي عن أحاديث وأصوات مثل الحالة السابقة ، وإن كان قد أشار إلى الجماع الجنسي الكامل ، ولكنه إلا يحدث قبيل النوم ... وفي ضوء معتم ... إلا أنه لا ينام بعده أبدا ، بل يصرفها إلى ذويها ، ثم يقوم ليستحم ويتطهر بحمد الله
5 – هذاء سن اليأس :
ويتصف هذا النوع من الهذاء بالضلالات أساسا ، وتكون معبرة عن الخوف من الوحدة والإحساس باقتراب الترك أو الإهمال أو العجز أو الموت ، ويصاحب هذه الضلالات في العادة مسحة من الاكتئاب المترتب عليها .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
سيدة ، في الثامنة والأربعين من عمرها ، ناظرة مدرسة إعدادي أصيبت بهذه الحالة " .... طبعا هو حايتجوز علي ، ما أنا عارفة الرجالة وخيانتهم ، يأكلونا لحمة ، ويرمونا عظمة ... ودا كله من أم البت الشغالة من يوم ما خدت هدومي القديمة ، وهي عملت عمل .... وأنا ما يهمنيش ، بس المصيبة إنه حايتجوز البنت المايصة مدرسة الرسم " .
وتبين من تاريخها ، أن مدرسة الرسم هذه تعمل معها هي ، وزوجها لم يراها إلا مرة واحدة منذ عدة سنوات وبالصدفة ، والأغرب أنها كانت متزوجة ، وحين روجعت في ذلك قالت : " ودا يمنع ... ما هي تسيب زوجها ... " . وكانت تشكو من اضطرابات في النوم ، وكثرة المشاجرات في العمل , وعدم الصبر على انتظار الأتوبيسات مثل سابق عهدها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق