هذه المجموعة من الأمراض تمثل اضطرابا أساسيا في العاطفة ، يتبعه اضطراب في التفكير والسلوك الحركي : سرعة ( هوس ) أو إبطاء ( اكتئاب ) ، وهي تشمل طورين إكلينيكيين ، يتناوبان بانتظام أو بغير انتظام ، وأحيانا لا يظهر طوال حياة المريض إلى طور واحد
تعريف ذهان الهوس والاكتئاب :
هو مرض ذهاني ، يشاهد فيه الاضطراب الانفعالي المتطرف ، وتتوالى فيه دورات متكررة من الهوس والاكتئاب ، أو يكون خليطا من أدوار الهوس والاكتئاب ( وقد يتخللها فترات انتقالية يكون فيها الفرد عاديا نسبيا )
هذا ، وكثيرا ما تتعاقب حالات الاكتئاب والهوس على المريض الواحد ، على هيئة نوبات أو دورات ، قد تفصل بينها فترات شفاء ، وعندئذ يصدق على هذه الحالة تسميتها بالجنون الدوري
هذا وتبلغ نسبة انتشاره بين الشعب حوالي 0.5 – 1 % ، ولكنه يكثر بين المثقفين والطبقات العليا ... كذلك فإن نسبته تزيد في النساء أكثر من الرجال ، ولا يحدث هذا المرض إلا نادرا قبل البلوغ .. ويزيد انتشاره كلما تقدم سن الفرد .
تصنيف ذهان الهوس والاكتئاب :
هناك أنماط اكلينيكية ثلاثة لذهان الهوس والاكتئاب :
1 – الهوس ( حوالي 30 % ) .
2 – الاكتئاب ( حوالي 45 % ) .
3 – الذهان الدوري أو المختلط ( حوالي 25 % ) .
درجات طور الهوس :
1 – الهوس الخفيف :
ويتميز بأنه يحوي صفات المرض العامة ، أما علاماتها الإكلينيكية فهي :
أ – وجود ثالوث الهوس بدرجة طفيفة لا تصل إلى شدة ذهانية .
ب – يستطيع المريض أن يتحقق من وضعه وعلاقته مع البيئة .
ج – قلما يظهر المريض سلوكا شاذا لدرجة تتعارض مع المجتمع .
د – يبدو المريض مملوءا بالحيوية والنشاط ، لا يكاد يستقر في مكان .
هـ - يميل إلى التعدي ، فتكثر مشاجراته بعض الشيء ويحب السيطرة من حوله ولا يطيق النقد .
و – يرسم المريض كثيرا من الخطط والأفكار ، ويؤكد أنها سبيلها إلى حيز التنفيذ ، ولكنه عادة لا ينفذها بشكل جاد ، وهو يبدأ أغلب المشاريع دفعة واحدة ، ولكنه لا يصل بأيها إلى غايته .
ي – لا يتقيد المريض – أحيانا – بالقواعد الخلقية ، مما يوقعه تحت طائلة القانون .
ز – تظل ذاكرة المريض سليمة ، وقد تزداد حدة .
وفيما يلي حالة تدل على خصائص هذا النوع :
عامل فني ، ( براد آلات دقيقة ) ، عمره ( 37 سنة ) ، متزوج منذ شهور ، وليس له أولاد . جاء يشكو من أرق شديد استمر مدة أسبوع " .... إنما مش هاممني ، أنا بس قلت يمكن الحالة تتطور ... أصل مفيش في الدنيا مستحيل ، أنا تعلمت البرادة بإيدي الشمال ، وتحديت وطلعت الأول في اختبار القبول ... وما عدش يهمني ، لما حد يبص لي في الأتوبيس أبص له وأضحك ، يضطر يضحك وأقفش معاه ، أقوم مااصعبش عليه عشان دراعي المقطوع ، أنا بكتب انجليزي وعربي بإيدي الشمال مع إني مش أشول ، أصل الإنسان لو عرف نفسه مافيش في الدنيا حاجة تساعه ، صحيح فيها صعوبات إنما دي من قلة التصرف أهو أنا مسافر اليمن بكره ... واتحدى ، بس خايف لا حسن الحالة تزيد علي أقوم أدخل المستشفى ، وهيه لما تزيد ما عرفش أتلم على نفسي ، واتلفت على كل اللي حوالي ، ويمكن أضرب أي حد يكلمني ... "
وبدراسة تاريخه المرضي تبين أن هذه الحالة متكررة ( ثلاث مرات في خمس سنوات ) ، وأنه أحيانا يلجأ إلى العلاج قبل أن تشتد . وأحيانا أخرى تتطور حتى تصل إلى درجة الهياج فيدخل المستشفى . وقد ترسبت ثاني مرة بعد أن أصيب في الحرب ، واضطروا إلى بتر ذراعه اليمنى . هذا ، وقد فسر عدم إكمال دراسته رغم ذكائه البادي : " ..... كنت غاوي صنعه ، وكنت غاوي اللعب . وكنت غاوي ضرب الإنجليز " .
وكان تاريخه العاطفي والجنسي حافلا .... أجاب عندما سئل عن خبراته قائلا " ... عاديك ... ماتعدش ... وفي الآخر اتجوزت عن حب . وماهمنيش حكاية إيدي ... " وكانت شخصيته قبل المرض موفورة الحيوية زائدة النشاط يزاول أكثر من عمل في وقت واحد .
وهكذا نرى كيف يكون طيران الأفكار في حديثه ... يسيرا في أول المرض ، وكيف يتصف الهوس الخفيف بالمرح الزائد رغم الأرق المضني ، كما يتصف بالشعور بالقوة والسيطرة حتى على قوى الطبيعة ، ثم كيف تطور في النوبات السابقة إلى هوس حاد أدى إلى دخوله المستشفى .
وقد عولج المريض بالعقاقير المهدئة فأحبطت النوبة ولم تتطور إلى أنواع أشد من الهوس الخفيف
2 – الهوس الحاد : لا يوجد حد فاصل بين الهوس الخفيف والهوس الحاد ، فهما متداخلان ... إلا أن الهوس الحاد يتميز بشدة الثالوث الهوسي بوجه خاص ، كما يظهر في الصورة الاكلينيكية على الوجه التالي :
أ – إما أن يشتد بشكل يجعله أقرب إلى السخرية الهجومية ، ويفقد الجانب المشع منه ، وإما أن ينقلب إلى عدوان وغضب مع فرط في الحساسية ، يتناوب مع هذا المرح القاسي .
ب – يشتد انتباه المريض للمؤثرات الداخلية والخارجية على حد سواء ، ولا يستمر في اتجاه معين ، بل ينتقل من مؤثر لآخر .
ج – تضطرب علاقته بالبيئة ، فنراه لا يراعي الآداب العامة ، ويتصرف بشكل فاضح ، ويقول ويفعل ما ينافي الأخلاق والتقاليد المرعية .
د – أن الهلاوس أكثر حدوثا هنا على الهوس الخفيف ... ولكنها مؤقتة ومتغيرة عادة ، وتتفق مع الاضطراب الانفعالي الأساسي .
هـ- أن الضلالات – إذا حدثت – تكون متجهة إلى الشعور بالعظمة .
و – أن الأفكار تتطاير ( طيران الأفكار ) ، حتى تبلغ من سرعتها عدم ترابط ظاهري ، في حين أنها درجة شديدة من الطيران .
ي – أن إدراك المريض للبيئة من حيث معرفة الزمان والمكان والأشخاص – أحدها أو جميعها – قد يختل .
ز – أن بصيرته تضطرب ، بل إن كثيرا من هؤلاء المرضى يقول : حين سؤاله عما إذا كان مريضا من عدمه ، يقول أنه الآن ( بعد ظهور الأعراض ) قد شفي ، وأنه كان مريضا قبل ذلك ( يشير إلى أنه لما كان طبيعيا عاديا كان هذا من وجهة نظره الحالية هو المرض بذاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق