الخميس، 29 مارس 2018

حمزة بن عبد المطلب الهاشمي (10)

عاد الرسولُ محمدٌ راجعاً إلى المدينة المنورة، فلقيته حمنة بنت جحش الأسدية، فلما لقيت الناس نُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش الأسدي، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير العبدري القرشي، فصاحت وولولت، فقال الرسولُ محمدٌ: «إن زوج المرأة منها لبمكان»، لِما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.
ومر الرسولُ محمدٌ بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وبني ظفر من الأوس، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عيناه فبكى، ثم قال: «لكن حمزة لا بواكي له»، فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن، ثم يذهبن فيبكين على عم الرسولِ محمدٍ، فلما سمع الرسولُ محمدٌ بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه، فقال: «ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن»، قال ابن هشام: «ونُهي يومئذ عن النوح». وروي عن أبي عبيدة أن الرسولَ محمداً لما سمع بكاءهن قال: «رحم الله الأنصار، فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمة، مروهن فلينصرفن».
وقال كعب بن مالك السلمي الخزرجي برثاء حمزة هذه الأبيات (وقيل هي لعبد الله بن رواحة الحارثي الخزرجي):
بـكـت عيني وحُـقَّ لها بكـاهاوما يُغني البكاءُ ولا العويلُ
عـلـى أسد الإله غـداة قالوالحمزة: ذاكم الرجـل القتيلُ
أصـيـب المسلمون به جـميـعاًهـنـاك وقد أصيب به الرسولُ
أبا يـعـلى لك الأركـان هـدَّتوأنـت الماجد البر الوصـولُ
علـيـك سـلامُ ربك فـي جـنـانٍيـخـالـطـهـا نعـيمٌ لا يزولُ
ألا يـا هاشـمَ الأخـيار صبـراًفـكـل فـعـالـكم حسنٌ جمـيلُ
رسـول اللـه مصـطـبرٌ كـريـمٌبـأمـر اللـه ينطق إذ يقولُ
ألا مـن مُـبـلِـغ عـنـي لـؤياًفـبـعـدَ اليوم دائـلةٌ تدولُ
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقواوقـائعنا بها يُشـفى الغليلُ
نـسـيـتـم ضربنا بقلـيب بدرغداة أتـاكم الموت العجـيلُ
غـداةَ ثـوى أبو جهل صـريـعاًعليه الطـير حائـمة تـجـولُ
وعـتـبـة وابنه خرا جـميـعاًوشـيـبـة غضَّه السيف الصقيلُ
ألا يا هـنـدُ لا تُبـدي شمـاتاًبـحـمـزة إن عـزكـم ذلـيـلُ
ألا يا هـنـدُ فابكـي لا تملِّـيفأنت الوالهُ العبرى الثكولُ
وقال حسان بن ثابت النجاري الخزرجي يبكي حمزة بن عبد المطلب:[66]
أتعرف الدارَ عفا رسمُهابعدَك صوب المسبل الهاطلِ
بين السراديح فأدمانةفمدفع الروحاء في حائلِ
ساءلتُها عن ذاك فاستعجمتلم تَدرِ ما مرجوعة السائلِ؟
دع عنك داراً قد عفا رسمهاوابكِ على حمزة ذي النائلِ
المالئِ الشيزى إذا أعصفتغبراء في ذي الشبم الماحلِ
والتارك القرن لدى لبدةيعثر في ذي الخرص الذابلِ
واللابس الخيل إذ أجحمتكالليث في غابته الباسلِ
أبيض في الذروة من هاشملم يمر دون الحق بالباطلِ
مال شهيداً بين أسيافكمشلت يداً وحشي من قاتلِ
أي امرئ غادر في ألةمطرورة مارنة العاملِ
أظلمت الأرض لفقدانهوأسودَّ نور القمر الناصلِ
صلى عليه الله في جنةعالية مكرمة الداخلِ
كنا نرى حمزة حرزاً لنافي كل أمر نابنا نازلِ
وكان في الإسلام ذا تدرأيكفيك فقد القاعد الخاذلِ
لا تفرحي يا هندُ واستحلبيدمعاً وأذري عبرة الثاكلِ
وابكي على عتبة إذ قطهبالسيف تحت الرهج الجائلِ
إذا خرَّ في مشيخة منكممن كل عاتٍ قلته جاهلِ
أرداهم حمزة في أسرةٍيمشون تحت الحلق الفاضلِ
غداة جبريل وزير لهنعم وزير الفارس الحاملِ
وقد رُوي عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أُتي بطعام، وكان صائماً فقال: «قُتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، فكُفن في بردته، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه»، وأراه قال: «وقُتل حمزة وهو خير مني، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط»، أو قال: «أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتُنا عجلت لنا»، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق