أولُ لواء عقده الرسولُ محمدٌ لحمزة بن عبد المطلب، إذ بعثه في سرية إلى سيف البحر من أرض جهينة، وقيل إن أول لواء عقده لعبيدة بن الحارث بن المطلب،
قال ابن إسحاق: «فكانت رايةُ عبيدة بن الحارث -فيما بلغني- أولَ راية عقدها رسول الله في الإسلام لأحد من المسلمين».
بعث الرسولُ محمدٌ حمزةَ بنَ عبد المطلب إلى سيف البحر من ناحية العيص، في ثلاثين راكباً من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل بنَ هشام بذلك الساحل في ثلاثمئة راكب من أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف بعضُ القوم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال
وكان الذي يحمل لواء حمزة أبا مرثد الغنوي.
وذلك أنَّ بعْثَه وبعْثَ عبيدة كانا معاً، فشُبِّه ذلك على الناس، وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعراً يذكر فيه أن رايتَه أولُ راية عقدها الرسول محمد، وقال ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لحمزة رضيَ الله عنه». وأما هذا الشعر الذي يُنسب لحمزة فهو هذه الأبيات:
ألا يا لقومي للتحلم والجهلِ | وللنقص من رأي الرجال وللعقلِ | |
وللراكبينا بالمظالم لم نطأ | لهم حرمات من سوام ولا أهلِ | |
كأنا تبلناهم ولا تبل عندنا | لهم غير أمر بالعفاف وبالعدلِ | |
وأمر بإسلام فلا يقبلونه | وينزل منهم مثل منزلة الهزلِ | |
فما برحوا حتى انتدبت لغارة | لهم حيث حلوا ابتغى راحة الفضلِ | |
بأمر رسول الله، أول خافق | عليه لواء لم يكن لاح من قبلي | |
لواء لديه النصر من ذي كرامة | إله عزيز فعله أفضل الفعلِ | |
عشية ساروا حاشدين وكلنا | مراجله من غيظ أصحابه تغلي | |
فلما تراءينا أناخوا فعقلوا | مطايا وعقلنا مدى غرض النبلِ | |
فقلنا لهم: حبل الإله نصيرنا | وما لكم إلا الضلالة من حبلِ | |
فثار أبو جهل هنالك باغياً | فخاب وردَّ الله كيد أبي جهلِ | |
وما نحن إلا في ثلاثين راكباً | وهم مائتان بعد واحدة فضلِ | |
فيا للؤي لا تطيعوا غواتكم | وفيئوا إلى الإسلام والمنهج السهلِ | |
فإني أخاف أن يُصبَّ عليكمُ | عذاب فتدعوا بالندامة والثكلِ |
فأجابه أبو جهل بأبيات من الشعر قال فيها ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لأبي جهل»، وأما هذا الشعر الذي يُنسب لأبي جهل فهو هذه الأبيات:
عجبت لأسباب الحفيظة والجهلِ | وللشاغبين بالخلاف وبالبطلِ | |
وللتاركين ما وجدنا جدودنا | عليه ذوي الأحساب والسؤدد الجزلِ | |
أتَونا بإفك كي يُضلوا عقولنا | وليس مضلاً إفكهم عقل ذي عقلِ | |
فقلنا لهم: يا قومنا لا تخالفوا | على قومكم إن الخلاف مدى الجهلِ | |
فإنكم إن تفعلوا تُدع نسوة | لهن بواك بالرزية والثكلِ | |
وإن ترجعوا عما فعلتم فإننا | بنو عمكم أهلُ الحفائظ والفضلِ | |
فقالوا لنا: إنا وجدنا محمداً | رضاُ لذوي الأحلام منا وذي العقلِ | |
فلما أبوا إلا الخلاف وزيَّنوا | جماع الأمور بالقبيح من الفعلِ | |
تيمَّمتُهم بالساحلين بغارة | لأتركَهم كالعصف ليس بذي أصلِ | |
فورَّعني مجدي عنهم وصحبتي | وقد وازروني بالسيوف وبالنبلِ | |
لإلَّ علينا واجب لا نُضِيعه | أمين قواه غير منتكث الحبلِ | |
فلولا ابن عمرو كنتُ غادرتُ منهمُ | ملاحمَ للطير العكوف بلا تبلِ | |
ولكنَّه آلى بإلٍّ فقلصت | بأيماننا حد السيوف عن القتلِ | |
فإن تُبقني الأيامُ أرجعْ عليهمُ | ببيض رقاق الحد محدَثة الصقلِ | |
بأيدي حماة من لؤي بن غالب | كرام المساعي في الجدوبة والمحلِ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق