عزير رجلا صالحا حافظا للتوراة، فبينما كان ماشياً على حماره في حين من الأثناء، مر عزير على قرية خاوية ليس فيها بشر. فوقف متعجبا، وقال: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)،
فأماته الله مئة عام. قبض الله روحه وهو نائم، ثم بعثه. فاستيقظ عزير من نومه. فأرسل الله له ملكا في صورة بشر: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ).
فأجاب عزير: (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
نمت يوما أو جزء من اليوم.
فرد الملك: (قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ).
ويعقب الملك مشيرا إلى إعجاز الله عز وجل (فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)
أمره بأن ينظر لطعامه الذي ظل بجانبه مئة سنة،
فرآه سليما كما تركه، لم ينتن ولم يتغير طعمه أو ريحه.
ثم بين له الملك السر في ذلك (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ).
ويختتم كلامه بأمر عجيب (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا)
ثم بدأ اللحم يكسوها، ثم الجلد ثم الشعر،
فاكتمل الحمار أمام عينيه, (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ثم خرج إلى القرية، فرآها قد عمرت وامتلأت بالناس.
فسألهم: هل تعرفون عزيرا؟
قالوا: نعم نعرفه، وقد مات منذ مئة سنة.
فقال لهم: أنا عزير. فأنكروا عليه ذلك.
ثم جاءوا بعجوز معمّرة، وسألوها عن أوصافه، فوصفته لهم، فتأكدوا أنه عزير.
فأخذ يعلمهم التوراة ويجددها لهم، فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد، وأحبوه حبا شديدا وقدّسوه للإعجاز الذي ظهر فيه، حتى وصل تقديسهم له أن قالوا عنه أنه ابن الله (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ).
وقد ذكر الله قصته هذه في سورة البقرة الآية 259 حيث قال:
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
مما هو شائع في الفكر العبراني عن عزير أنه ابن الله، وهذا مخالف لآراء المسلمين. فالأستاذ ديفيد واينز وهو بروفيسور في الدراسات الإسلامية، لا يجد لهذا الإدعاء أي دليل يسنده
. ويشاركه الرأي الأستاذ جون كالتنر وهو بروفيسور في الشؤون المسيحية والإسلامية، مضيفاً بأنه لا يتوفر دليل على أن يهود المدينة قد حملوا فكرة بنوة عزير
هناك اعتقاد بأن يهود اليمن هم من نسبوا بنوة العزير لله، ويظهر ذلك في إحدى آراء ابن حزم الأندلسي التي تقول بأن هناك بعض من يهود اليمن يعتقدون أن عزيراً ما هو إلا ابن الله (مع أنه لم يعش في اليمن)
ومع ذلك، ليس هناك ما يثبت وجود تلك الفئة من اليهود
علاوة على ذلك، تبدو نظرية ابن حزم شاذة وتحديداً عند الإطلاع على مادة (اليمن) في الموسوعة اليهودية، فيهود اليمن لا يتسمّون باسمه، ويرجع هذا وفقاً لما ورد في رواياتهم من لعن عزرا لهم (أييهود اليمن) ليصبحوا فقراء لأنهم لم يرحلوا إلى إسرائيل
، لذا يرى بعض المستشرقين مثل تشارلز توري أن الهدف هو جعل الإسلام الدين الوحيد ذو الصفة التوحيدية في حينها .
فيما نجد أن موقف بعض مفسري القرآن الكريم يسير بشكل شبه مقارب للآراء السابقة.
فالقرطبي على سبيل المثال علّق على هذه المسألة بقوله :
(هذا لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص، لأنه ليس كل اليهود قالوا ذلك،
وهذا مثل قوله تعالى : آلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ سورة آل عمران, الآية 173.
وقيل: إن من كان يقولها كانوا في زمان وقد انقضوا، وهذا متوجه للذم إليهم لأن بعضهم قد قاله، وعاضد هذا القول النقاش، فقال : (لم يبق يهودي يقولها بل قد انقرضوا)
ومن الأقوال المعاصرة، نستشهد مما ذكر في كتاب تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم لمحمد سيد طنطاوي، فيقول :
" وأغلب هذه الأقوال لا يؤيدها عقل أو نقل،
ولذا فقد ضربنا عنها صفحا).
متابعاً (وقد نسب - سبحانه - القول إلى جميع اليهود مع أن القائل بعضهم،
لأن الذين لم يقولوا ذلك لم ينكروا على غيرهم قولهم،
فكانوا مشاركين لهم في الإِثم والضلال، وفيما يترتب على ذلك من عقاب).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق