الخميس، 29 مارس 2018

الموشح

الموشح والشعر الملحون (القصيدة الزجلية) والزجل، جميعها فنون أندلسية مترابطة.
فالموشح هو كلام منظوم في بنية مختلفة عن الشعر العمودي الموحد الوزن والقافية، وهو في مبناه هذا مشابه للزجل، كما أنه مشابه له في غلبة استخدامه للغناء، وارتباطه بالآلات الموسيقية.
وأما الشعر الملحون ويسمى أيضا القصيد الزجلي، فهو شعر موحد الوزن والقافية، إلا أنه بلغة مختلفة، لغة عامية، غير معربة.
ويبدو أن الشعر الزجلي أو الشعر الملحون أقرب إلى الزجل من الموشح، حتى إن بعض المراجع لا تفرق بينهما، مثل صفي الدين الحلي الذي عد قصائد مدغليس الثلاث عشرة التي وجدها في ديوانه أزجالا، ولم ينتبه لتسمية الأندلسيين لهذا اللون "شعرا ملحونا"، وأن الزجل لديهم ذو دلالة مخالفة، أما ابن سعيد الأندلسي
 فيورد لأحدهم زجلا ثم يورد للزجال نفسه نموذجا يميزه باسم الشعر الملحون والفرق بينهما في ابتعاد الزجل عن شكل القصيدة، لا بقاؤه قصيدة سقطت منها الروابط الإعرابية، فإن كانت آية الزجل إسقاط الإعراب، فليس كل ما جرد من الإعراب سمي زجلا
إلا أن في رأي صفي الدين الحلي ما يستعين به بعض النقاد في تأييد القول بأسبقية الشعر الزجلي على الزجل، واشتقاق الزجل منه وليس من الموشح، مستشهدين بقول الحلي: "وهذه القصائد لما كثرت واختلفت، عدلوا عن الوزن العربي الواحد إلى تفريع الأوزان المتنوعة، وتضعيف لزومات القوافي، ليكون ذلك فنا لهم بمفردهم، وذلك لأنهم لما لحنوا تلك القصائد بألحان طيبة السماع، رائقة في الأسماع، متناسبة في الأنغام والإيقاع، اضطر جدول كل منهم إلى شط ينتهي إليه، ومقطع يقف الدور عليه، وكانت همتهم الشريفة، وطباعهم اللطيفة، ناهضة بالجمع بين أصول الطرب، وصحة أوزان العرب، ولم يكن لهم اطلاع على ما اخترعته الأعاجم من تلفيق الترانات والأوزان والأوانكشتات، المتمم به نقص الأدوار والسربندات"
، والذين يستدلون بنص الحلي يرون أن طبيعة الأشياء هي التي تقرر أن الانتقال يكون عادة من السهولة إلى الصعوبة، تدرجا، ومن البساطة إلى التعقيد، من بساطة في التركيب متمثلة بوحدة الوزن والقافية في القصيدة الزجلية، إلى ما اتصف به الزجل من تعقيد تمثل بتعدد الأوزان واختلاف القوافي في الأقفال والأدوار، مع اشتراك الفنيين في الأغراض وفي اللغة وأساليب التعبير
 وبتأكيد قاطع، يقول مقداد رحيم
: "ومهما يكن من أمر، فإن الشعر الزجلي أسبق من الزجل في النشأة"
والقول بهذا الرأي يبنى عليه أسبقية الزجل على الموشح، فإذا كان اختراع الزجل مر بهذه المراحل، فإن الموشح بالتأكيد لم يبدأ من جديد بنفس الحكاية، فيكون مشتقا من الشعر العمودي، 
ليصل إلى نفس هيكل الزجل تماما، فهذه ستكون صدفة صعبة، بل الأقرب أن الموشح سيكون فقط تعريبا للزجل، وهذا ما لا يتفق مع رأي فريق آخر من المؤرخين، كابن خلدون، الذي يرى الموشح سابقا للزجل، وندرك هذا في قوله: "ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس،
 وأخذ به الجمهور لسلاسته، وتنميق كلامه، وترصيع أجزاءه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية، من غير أن يلتزموا فيه إعرابا، واستحدثوا فنا سموه بالزجل، والتزموا اللفظ فيه على مناحيهم، لهذا العهد، فجاءوا فيه بالفرائد، 
واتسع فيه للبلاغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة"
ويدعم قول ابن خلدون ما صرح به ابن قزمان بنظم زجلة له على عروض موشح معروف واستعار الخرجة منه، ومنه قوله:
ريت وحد النهار خرج بالكميت وفي قلب من اجل مما دريت
قلت فيه ذا الزجل كما قد رويت عرض التوشيح الذي سميت
عقد الله راية النصر لأمير العلا أبو زكري
وهي خرجة مأخوذة من موشح لابن باجة "عقد الله راية النصر لأمير العلا أبي بكر"
وإذا كان المعتاد في الموشحة أن تكون خرجتها عامية أو أعجمية، فإن المعتاد في الزجلة أن تكون خرجتها معربة، وهو ما كان يفعله ابن سناء الملك 
حيث يفرق بين الزجل والموشح بقرينة لطيفة، وهو أنه جعل في آخر غالب موشحاته خرجة مزجلة تكون من نظم أئمة الزجالة، وغالب أئمة الوشاحة فعلوا ذلك ليظهر الفرق
، وذلك لأن الفنيين يتداخلان أحيانا بسبب عيب يسمى التزنيم، وهو في الزجل الإعراب، وفي الموشح اللحن.
"وعند الجميع أن التزنيم في الموشح أقبح منه في الزجل، لأن من أعرب في الملحون فقد رد الشيء إلى أصله، ومن لحن في المعرب فقد زل وخالف"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق