أصابت الهزيمة في معركة بحيرة تراسمانيا الرومان بالهلع كون القرطاجيين كانوا قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من مدينتهم، لذا قرر مجلس الشيوخ اللجوء إلى إجراء كان يتخذ في حالات الطوارئ بتعيين دكتاتور مؤقت ليكون قائدا عاما للقوات لمدة ستة أشهر، والتي تكون مقسمة عادة بين اثنين من القناصل. كان تنفيذ هذا الإجراء يتطلب وجود قنصل واحد على الأقل لتعيين "دكتاتور"، ولما كان القنصل فلامينيوس ميتا، والآخر سيرفيليوس بعيدا مع الجيش الوحيد الذي بقي في إيطاليا، قرر مجلس الشيوخ انتخاب الدكتاتور دون تواجد قنصل. ولما كان هذا الإجراء غير دستوريا، فقد منح الشخص المنتخب فابيوس ماكسيموس لقب "ممثل دكتاتور"
على الرغم من أنه تمتع بنفس الصلاحيات التي يتمتع بها الدكتاتور. كما عين مجلس الشيوخ ماركوس روفوس "قائدا للفرسان"
وحامل هذا اللقب يكون بمثابة الرجل الثاني في القيادة، بدلا من السماح للدكتاتور نفسه باختياره كما جرت عليه العادة سابقا.
خرج فابيوس عن التقليد الروماني العسكري باستدراج العدو لمعركة ضارية في أقرب وقت ممكن. حيث اخترع إستراتيجية عسكرية جديدة أطلق عليها تسمية "إستراتيجية فابيان"، وهي تتمثل بتجنب فتح معركة مع الخصم، والاستمرار بمناوشة فصائل صغيرة من جيش العدو.
لم تحظ هذه الإستراتيجية بشعبية كبيرة بين الجنود بطبيعة الحال، فأطلقوا على قائدهم لقب "المؤجل" لأنه بدا لهم كما لو كان يحاول تجنب المعركة في الوقت الذي كانت فيه إيطاليا تدمر على يد العدو.
علاوة على ذلك، كان الرومان يخشون أنه إذا استمر حنبعل في اكتساح إيطاليا دون مقاومة، فسيلجأ حلفاء الرومان الخائفون للتحالف مع القرطاجيين على اعتبار أن روما ليست قادرة على حمايتهم.
كانت سياسة فابيوس هي ملاحقة حنبعل عن طريق السير بمحاذاته على المرتفعات بينما يتحرك القرطاجيين في السهول، لتجنب مواجهة فرسان حنبعل الذين كان لهم الأفضلية في السهول. تطلب الأمر من الرومان الحيطة والحذر خوفا من أن يستغل القرطاجيون مهاراتهم لنصب كمائن للرومان.
لهذا السبب، عدلوا تشكيلهم أثناء السير ليسيروا في ثلاثة خطوط متوازية بدلا من خط واحد، وقد كانت التشكيلة الأولى، أي الخط الواحد، هي السبب في هزيمتهم في معركة بحيرة تراسمانيا.
استطاع فابيوس بتحرشه المستمر بقوات حنبعل، أن يقبض على بعض الأسرى.
وعندئذ، قرر فابيوس وروفوس أن يتبادلوا الأسرى وفقا للشروط نفسها التي تم الاتفاق عليها في الحرب البونيقية الأولى.
على الرغم من أن القرطاجيين أعادوا للرومان عدة مئات من الأسرى أكثر مما كانوا يتوقعون مقابل أن يدفع الرومان تعويضا ماليا، لكن مجلس الشيوخ تردد في الدفع.
ومع ذلك، لم يعتد القرطاجيون على ممتلكات فابيوس، وذلك لحث الرومان على الثقة بهم.
وفي النهاية اضطر فابيوس لبيع ممتلكاته لكي يدفع لجيش الأعداء ليتسلم باقي الأسرى.
وبعد أن دمر حنبعل بوليا، قرر السير من خلال سامينيوم إلى كامبانيا، وهي إحدى أغنى وأخصب مقاطعات إيطاليا، على أمل أن يستدرج ذلك فابيوس إلى معركة.
وجد فابيوس أن الفرصة سانحة لاعتراض القوات القرطاجية في سهل "كامبانيا" ولقتالها في الجبال المحيطة على أرض من اختياره.
وبمرور السنة، وجد حنبعل أنه ليس من الحكمة أن يقضي الشتاء في سهول كامبانيا المخربة، وفي الوقت ذاته، كان فابيوس قد أمر جنوده بتأمين وإغلاق جميع الممرات الجبلية.
أدى هذا الوضع إلى نشوب معركة فاليرنوس التي استطاع فيها القرطاجيون خداع الرومان عن طريق إيهامهم بأنهم في طريقهم إلى المرتفعات فوقهم.
وقد انخدع الرومان واستطاع القرطاجيون التسلل عبر الممرات التي استحالت غير مؤمنة بكامل أمتعتهم، وكانت هذه ضربة قوية لهيبة فابيوس.
كان روفوس قائد الفرسان من أكثر المعارضين في صفوف الجيش ضد إستراتيجية حرب الاستنزاف التي ينتهجها فابيوس. وبمجرد أن حقق روفوس نجاحا بسيطا في بعض المناوشات مع القرطاجيين، أعطى مجلس الشيوخ لروفوس نفس صلاحيات القيادة التي لفابيوس، الذي اتهم بالجبن.
ونتيجة لذلك قرر الرجلان تقسيم الجيش بينهما. استطاع حنبعل جذب روفوس مع فرقته لكمين في معركة جيرونيوم. هرع فابيوس ماكسيموس لمساعدة شريكه في القيادة فتراجعت قوات حنبعل على الفور.
وعندئذ، قبل روفوس أن يترك سلطة القيادة لفابيوس وبذلك انتهي الصراع السياسي بينهما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق