الأربعاء، 11 أبريل 2018

نرجس(2)

الأسطورة الأولي
زهرة النرجس واحدة من الزهور المنتشرة في بلاد الاغريق منذ أقدم العصور. شدت انتباه الرجل الإغريقي بمنظرها الجميل وطابعها الحزين. نسج حولها قصة ظلت تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيلًا.
نركسوس وهو الاسم الإغريقي لنرجس، هو ابن إله النهر كفيسوس. احتضن نهر كفيسوس بشراينه المائية المتعرجة حورية إحدى المروج الخضراء تدعي ليريوبي. قذف بمياهها المتدفقة في جوفها الخصب فخرج إلي عالم الحياء مولود أسماه والداه نركسوس. وهبت الآلهة نركسوس منذ طفولته حسنا رائعًا وجمالًا لا يقاوم.
نشأ نركسوس الجميل في أحضان المياه الجارية والمروج الخضراء.
 لم يره إنسان أو إله دون أن يعجب بجماله. تخطى نركسوس مرحله الصبا. 
أصبح في ريعان الشباب. كان يزداد جمالًا وبهاءً كلما تقدم في العمر.
 أحبه رفاقه وأصدقاؤه وأعجب به الذكور والإناث. كان نركسوس مدركا لجماله وإطلالته الجذابة.
 كان يعرف أنه جدير بإعجاب الجميع وحبهم. لكنه كان لا يتحاب مع أحد من المعجبين به. 
كان يصدهم جميعا- ذكورًا وإناثًا- لم يكن يعرف الحب. لم يكن يقيم للعواطف وزنًا. لكنه مع ذلك ظل محط أنظار الجميع ومركز إشعاع للسحر والفتنة.
من بين من أحبوا نركسوس وأعجب بجماله حورية تدعي إيكو (إيخو).
 وإيخو كلمه يونانية معناها الصدى -إيكو فتاة رائعة الجمال فائقة الحسن. متحدثة لبقه. 
تعرف كيف تدير دفة الحديث. تقدر على التأثير بحديثها على من يستمع إليها.
 طليقة اللسان وبارعة في القول. عاشت إيكو وسط المروج الخضراء.
 و علي ضفاف البحيرات والاغادير. كانت مولعة بالتحدث مع المار والغادي.
في ذات يوم جلست إيكو -كعادتها- فوق ربوة فيحاء تتأمل في الرائح والغادي. 
رأت من بعيد كبير الآلهة زيوس في صحبة حورية حسناء.
ثم أتت هيرا الزوجة الشرعية لزيوس -تسعي لاهثة وقد بدت على ملاحمها علامات السخط والغضب استوقفتها إيكو. 
سألتها عن سبب سخطها وغضبها. 
علمت أنها تبحث عن زوجها زيوس. 
فقد نما إلي علمها أنه جاء إلي تلك المنطقة لمقابة إحدى الحوريات. 
سألتها هيرا عن زيوس.
 إدعت أنها لم تره في تلك المنطقة قط.
 ظلت تتحدث مع هيرا بصوت مسموع.
 أخذت تقص عليها قصص مسلية. 
وكلما همت هيرا بمغادرة المكان لتبحث عن زيوس استوقفتها إيكو، وبدأت تروي لها قصة جديدة.
 كانت إيكو حلوة الحديث، بارعة في القول. 
قادرة على شد انتباه من يستمع إليها.
 ذهب عن هيرا غضبها وسخطها. هدأت نفسها. نسيت ما جاءت من أجله. 
ظلت هيرا تستمع في شوق إلي أحاديث إيكو.
غابت الشمس وأقبل الليل وامتلأت السماء بالنجوم.
 ومازالت هيرا تنصت إلي أحاديث إيكو. 
فجأة لمحت هيرا زوجها زيوس وهو ينطلق من خلفها هاربًا نحو مملكة الألومبوس.
انطلقت هيرا تطارده وقد عاد لهيب الغضب يلهب مشاعرها ونار الغيرة تأكل قلبها.
 إن هيرا قاسية لا ترحم. 
عاقبت إيكو عقابا شديدا.
 حرمتها حلاوة الحديث والقدرة على الكلام.
 لم تعد إيكو قادرة على المبادرة في الحديث.
 لكنها تستطيع فقط أن تردد بعض المقاطع الأخيرة من العبارات التي ينطق بها المتحدث.
 وها نحن حتى الآن نلاحظ أن الصدى هو ترديد بعض المقاطع الأخيرة من عبارات المتحدث.
ظلت إيكو تعيش وسط المروج الخضراء. 
وعلى ضفاف البحيرات والاغادير. 
ألفت حياة الصمت واعتادت على عدم المبادرة بالكلام. لكنها كانت تزداد جمالًا وحسنًا بمرور الأيام. 
كانت تجلس كعادتها فوق ربوة فيحاء.
 تتأمل في المارين والغادين. 
وتردد بعض المقاطع الأخيرة من العبارات التي ينطق بها المتحدثون.
 لكنها لم تكن نعجب بأحد سوى الشاب الوسيم نركسوس. 
كانت ترقبه في غدواته وروحاته. 
تتبعه بنظراتها وهو يلهو ويمرح بين رفاقه وأصدقائه.
 لم تكن تجرؤ على الاقتراب منه. 
كانت تعرف أنه شديد الزهو بجماله ووسامته. 
كانت تعرف أنه لم يجرب نار الحب أو لوعة الهوى كانت تعلم أنه لا يستجيب لعبارات الغزل. 
لا يستمع لأحاديث الحب. 
كيف إذن تظهر أمامه وتطلب وده وتطالاحه الغرام.
 وهي غير قادرة على الكلام كيف تعبر عن حبها وغرامها له. وهي معقودة اللسان كتمت إيكو سر غرامها واكتفت بمراقبة نركسوس في غدواته وروحانه.
 لم تكن تستطيع ان تفعل أكثر من ذلك.
في ذات يوم خرج نركسوس بصحبة رفاقه وأصدقائه. 
خرجوا للصيد كعادتهم.
 أخذوا بتجولون وسط المروج الخضراء، بحثًا عن فريسة ضالة يرشقون سهامهم القاتلة في صدرها. 
ظهرت أمامهم فجأة عدة فرائس.
 انطلق الرفاق خلفها وتفرقت الفرائس.
 اتجهت كل فريسة في طريق. 
تفرق الرفاق على الفور.
 انطلق كل فريق وراء فريسة وقد اشتدت المطاردة وطالت فترتها. أخذ نركسوس يطارد فريسته في سرعة هائلة. 
وظل يطلق سهامه القاتلة نحوها. 
وقد أصابها في مكان قاتل وأصبحت ملك يديه وغمره السرور وأحس بحلاوة النصر. 
وقف ينتظر رفاقه ليشهدوا ببراعته في الصيد.
 لم يحضر أحد. ظل يبحث عنهم على ضفاف البحيرات والاغادير. ظل يتجول وسط المروج الخضراء. 
اكتشف نركسوس أنه ضل الطريق.
 وأصبح وحيدًا بلا رفيق. 
لم يكن يعلم أن هناك عينًا تتابعه بنظراتها.
 لم يكن يشعر أن هناك قلبًا يلهث خلفه. 
لم يكن يعرف أن هناك روحا ترفرف من حوله أينما حل وحيثما سار، لم يكن يحس بوجود إيكو ومتابعتها له طوال فتره الصيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق