الأربعاء، 11 أبريل 2018

نرجس(3)

طال تجوال نركسوس وتعبت قدماه. 
جلس يستريح على حافه غدير.
 جلست إيكو فوق ربوة عالية. 
تشاهد -في إعجاب- حسنه وبهاءه.
 تنعم -في صمت بجماله ووسامته. 
شفتاها ترتعشان من شدة الرغبة. 
قلبها ينتفض في صدرها.
 صدرها يعلو ويهبط -كصدر صياد يلهث خلف صيد ثمين. ساورتها نفسها أن تهبط إليه. 
وترتمي بين أحضانه.
 لكن شجاعتها خانتها. 
تذرعت بالصبر. 
اكتفت بإشباع عينيها. 
ظلت تلتهمه بنظراتها الجائعة وهو جالس على حافة الغدير.
طال انتظار نركسوس.
 لم يحضر أحد من رفاقه. 
هم واقفًا على قدميه. 
أخذ ينادي بأعلى صوته، عسي أن يدركه واحد منهم. 
نفذ صبر إيكو لم تحتمل أكثر من ذلك، أخذتت تردد المقاطع الأخيرة من ندائاته التي لاتصل إلي آذان رفاقه.
أنا نركسوس؟
-نركسوس؟
-أين أنت؟
-أين أنت؟
-أنا هنا بجوار الغدير.
-بجوار الغدير.
-هل تسمعني؟
-تسمعني.
-أحضر إلي فورا.
-إلي فورا.
-أنا أحتاج إليك.
-أحتاج إليك.
هكذا ظلت إيكو تردد نيدائات نركسوس. 
ظن نركسوس أن واحدًا من رفاقه يرد عليه. 
بدت على ملامحه إمارات الفرح والسرور. 
انفرجت أساريره. 
إزدادت ملامح وجهه الجميل جمالًا. 
لم تستطع إيكو أن تظل في مكانها بعيدة عنه.
 بدأت في الهبوط نحو الغدير. 
اتجهت نحو نركسوس وهي فاتحه ذراعيها.
 انطلقت مسرعة والابتسامة على شفتيها والرغبة ملء عينيها... وهي لم تزل تردد المقاطع الأخيرة من نيدائاته التي لاتصل إلي آذان رفاقه.
-تعال.
-تعال.
-إنني أريد أن أراك؟
-أريد أن أراك.
-أنا تائه أتوسل إليك.
-أتوسل إليك.
اقتربت إيكو من نركسوس، وهي فاتحة ذراعيها. 
تريد أن تقبله.
 تريد أن تحتويه بين أحضانها. 
قطب نركسوس جبينه ونظر إليها في كبرياء وزهو وهو يقول
-لا أريدك.
-أريدك.
-لاأرغب في تقبيلك.
-أرغب في تقبيلك.
-أموت قبل ان أشتاق إلي أحضانك.
-أشتاق إلي أحضانك.
هكذا ظلت إيكو تردد المقاطع الأخيرة من كلمات نركسوس الغاضب وهي تندفع في سرعه هائلة نحوه لكنه ابتعد فجأه عن طريقيها في قسوة وغرور. 
عندئذ.
 هوت العاشقة البائسة على الأرض. 
ارتطم جسمها اللدن بالصخرة التي كان يجلس عليها نركسوس. لمس جبينها الناصع قدمي معشوقها القاسي. 
أحست إيكو بطعنة نافذة في قلبها المفعم بالحب.
 نهضت العاشقه المجروحة تجمع أشلاء كرامتها المتناثرة. انطلقت تعدو بلا هدف بعيدا عنه.
عاد نركسوس إلي رفاقه وظل يغمره الفرح والسرور ويشعر بحلاوة النصر.
 لكن جرح إيكو لم يندمل وظلت تجلس -كعادتها- فوق الربوة الفيحاء تراقب نركسوس في غدواته وروحاته. 
لكنها لم تتوقف لحظة واحدة عن التفكير في كرامتها المحطمة في قلبها المجروح. 
في المهانة التي لحقت بها كأنثى. في العار الذي قضي عليها.
 لم تتوقف لحظة واحدة عن الحزن والبكاء.
 لم يفارقها لحظة عاد نركسوس إلي رفاقه وظل يلهو ويمرح كعادته. يصيب الفرائس في أماكن قاتلة. 
ظل يجهز على فريسته بعد أخري. 
واحدة عن الحزن والبكاء.
 لم يفارقها لحظة واحدة الإحساس بالندم.
 أصبحت مثار غضب الآلهة والربات، أصبحت مثار سخرية جميع أفراد البشر.
 لم تعد زميلاتها الحوريات يحضرن لزيارتها أو يرتضين مصاحبتها في نزهاتهن.
 ذوي عودها النضر. 
ذبل جمالها الأخاذ.
 فتي جسدها اللدن. 
ذاب هيكلها في الهواء.
 تناثرت رفاته بين موجات الأثير. 
أختفت إيكو بجسدها عن الوجود. 
لم يبق منها سوي الصوت: 
الصوت الذي يسمعه المتحدث مرددًا المقاطع الأخير لحديثه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق