الأربعاء، 11 أبريل 2018

الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية (2)

المرحلة الأولى : 1830-1919
حين وقع الاحتلال الفرنسي للجزائر كانت اللغة العربية هي لغة التعليم في المدارس والزوايا والمساجد، وهي اللّغة الأدبية التي تؤلف بها الكتب والبحوث، وهي أداة التعامل في المحاكم الشّرعية والمراسلات الرسمية، وتوثق بها عقود الأوقاف والمواريث، وتكتب بها محاضر المداولات الإدارية والمنازعات في كل أنحاء القطر. وهي كذلك لغة الأدباء والخطباء.
و في نفس الوقت كانت اللّهجات العربية الدّارجة واللّهجات البربرية مستعملة في الحياة اليومية بين المواطنين، ولعل هناك من كان يكتب بهذه اللّهجة أو تلك بعض الرّسائل الإخبارية والمعلومات الشّخصية.
أما اللّغة التركية فقد كانت قليلة الاستعمال ومحصورة الانتشار، ولا نكاد نجدها خارج الجزائر العاصمة، حتى بين الموظّفين العثمانيين في الأقاليم، لعلاقتهم المباشرة مع المواطنين.أمّا في العاصمة فقد كانت اللّغة التركية مستعملة في مستويات إدارية كالمجلس الرّسمي (الديوان)، الذي كانت تسجّل فيه المحاضر بالعربية والتركية معا على أيدي الكتبة أو الخوجات، وكانت التّرجمة هي وسيلة التبليغ بين الحاضرين إذا لزم الأمر.كما أنّ اللّغة التركية كانت مستعملة في ثكنات الجيش الإنكشاري بالخصوص، لأنه جيش خليط ومن مواليد الأناضول في معظمه.
و المعروف أنّ الحروف العربية هي التي كانت مستعملة سواء تعلق الأمر باللهجات الدّارجة أو باللّغة التركية.
وقد اعتمد الفرنسيون منذ اللّحظة الأولى للاحتلال على التّرجمة وعلى دراسة اللغة العربية لأنهم كانوا يعرفون أنهم بدون ذلك لا يمكنهم معرفة الجزائريين ولا النجاح في التعامل معهم وفرض سلطانهم عليهم. جاءت الحملة الفرنسية بمجموعة من المترجمين، مدنيين وعسكريين، ونشطت مدرسة اللّغات الشّرقية في باريس في تخريج المستعربين وإرسالهم إلى الجزائر، وتعامل المسؤولون الأوّلون مع يهود الجزائر كوسطاء في اللغة العربية، بل أنهم وظفوا جزائريين في مناصب بلدية، قضائية، إدارية ونحوها إمّا لكونهم يحسنون شيئا من الفرنسية إلى جانب العربية وإما لكونهم تابعين لمصالح تعرف العربية فيقدّمون إليها المعلومات والتقارير وهي بدورها تقوم بالتّرجمة والتّوصيل.
و من أوّل ما فكّر فيه الفرنسيون ووضعوه موضع التّنفيذ هو فرض تعلم اللغة العربية على الضباط والمسؤولين بالجزائر. 
فأنشؤوا لذلك كراسي للّغة العربية ووضعوا لذلك مناهج علمية وطبعوا كتبا تطبيقية وكافؤوا المتفوقين في العربية منهم بتقديمهم على غيرهم عند الترشح للمناصب.
 وأوّل من شجّع على ذلك وجعله شرطا رسميا هو الماريشال بيجو نفسه.
و لكن هناك ملاحظتان تجب إبداؤهما على ما سبق، الأولى هي أن تعليم اللغة العربية للفرنسيين كان مقتصرا تقريبا على اللغة الدارجة بعد تعلم القواعد العامة للأبجدية والجملة العربية، باستثناء المستعربين وأصحاب الاختصاص الذين لم يقتصروا على الدارجة بل درسوا علوم العربية وآدابها وتاريخ العرب والإسلام.
أما الملاحظة الثانية فهي أن الفرنسيين كانوا مهتمين ب اللغة العربية باعتبارها هي لغة الشعب الجزائري الذي يعملون على استعماره والسيطرة عليه، ومعرفة آدابه وتفكيره وماضيه. 
ولذلك كان اهتمامهم مرتكزا على الجانب العملي من اللغة العربية، سواء الفصحى أو الدارجة.
 ومن جهة أخرى كان الفرنسيون يعرفون أنهم بدراسة اللغة العربية يتمكنون من التغلغل أيضا داخل المجتمعات العربية والإسلامية والاستفادة منها تجاريا واقتصاديا منافسة منهم ل الإنجليز وغيرهم.
و قد يسأل السائل إذن عن وضع اللغة العربية بين الجزائريين غداة الاحتلال، الواقع أن تعلمها قد تضرر كثيرا حتى كاد يمّحي. 
فبالقضاء على الأوقاف وهدم المساجد والمدارس وهجرة العلماء والمؤدبين وكثرة الحروب كاد التعلم ب اللغة العربية ينقرض. 
كما أن الفرنسيين اتبعوا سياسة التجهيل التي دامت سبعين سنة فلم ينشروا بين الجزائريين لا العربية ولا الفرنسية. 
وهم يدعون تارة أن الجزائريين لا يقبلون على المدارس خوفا من التنصير، ويزعمون تارة أخرى أن المال يعوزهم.
و لعل أبرز الأسباب لسياسة التجهيل المعتمدة هو معاقبة الجزائريين على مقاومتهم المسلحة التي دامت، كما هو معروف، إلى ثورة بوعمامة في الثمانينيات من القرن التاسع عشر.
 كما أن الفرنسيين كانوا يخشون من أن التعليم عموما سيؤدي بالجزائريين إلى اليقظة والإطلاع على أحوال العالم فتتكون من بينهم جماعات وأحزاب تطالب بالحقوق السياسية وتحارب الفرنسيين بأسلحتهم، كما وقع فعلا فيما بين الحربين.
و لكن هذه الصورة للتجهيل لم تكن ناجحة تماما. 
فقد بقي تعليم اللغة العربية عملية سرية يقوم بها الجزائريون في بيوتهم بالمدن، وفي زواياهم في الريف وكان تعليمها متصلا اتصالا وثيقا بحفظ القرآن الكريم للبنين والبنات، وتعليم أولويات الدين الإسلامي.
 وقد تفطن الفرنسيون منذ العشرينية الأولى من احتلالهم للجزائر إلى خطورة هذه الظاهرة فأرادوا السيطرة عليها أيضا. 
وذلك بإدخال اللغة الفرنسية إلى المدارس القرآنية على أن يتولى تدريسها هناك أحد المعلمين الفرنسيين. 
وهو الموقف الذي عارضه بشدة الشيخ مصطفى الكبابطي، مفتي مدينة الجزائر، سنة1843 وسانده المواطنون، فاستحق عليه التجريد من وظيفته والنفي من وطنه، متهما من إدارة الماريشال بيجو بالعصيان والمقاومة.
أما الزوايا الريفية فقد وضع الفرنسيون عليها أيديهم بالرقابة المستمرة على شيوخها وزوارها، وبضبط برنامجها فحيث لا يسمح لها إلا بتحفيظ القرآن الكريم دون تفسيره أو شرحه ودون تعليم لقواعد اللغة العربية، مع شرط أساسي آخر وهو أن تكون الزاوية غير خطرة على الفرنسيين ولم تشارك في إحدى الثورات ضدهم.
على أن هناك قناة أخرى بقيت العربية تعيش من خلالها وتومض منها ولم وميضا خافتا.
 وهي المدارس الحكومية الثلاث التي تأسست سنة 1850. 
ولقد تطورت إلى حد ما حتى أصبحت تعرف عند الجيل الحاضر باسم المدارس الفرنسية-الإسلامية.
 ذلك أن الفرنسيين احتاجوا في التعامل مع الجزائريين إلى موظفين في القضاء الإسلامي، وفي الترجمة العسكرية والعدلية وحتى في التدريس باللغة العربية، فأسسوا المدارس المذكورة في نقاط ثلاث من القطر الجزائري وجعلوا عليها في البداية مديرين جزائريين وسمحوا بدخولها لعدد ضئيل من الجزائريين ـ حسب الحاجة الوظيفية ـ ولكنهم منذ التسعينيات من القرن التاسع عشر جعلوا إدارتها تحت مستشرقين فرنسيين بدعوى الإصلاح والتطوير.
 وقد أخرجت هذه المدارس الحكومية مع ذلك، وجوها بارزة في اللغة العربية زمن الاحتلال نذكر
 منهم ابن الموهوب 
وابن بريهمات
 وابن شنب
 وابن سماية 
والحفناوي
 والكمال،
 وكلهم تخرجوا قبل الحرب العالمية الأولى. 
وهم الذين كان المؤرخون الفرنسيون 
يسمونهم بالنخبة التقليدية لأنهم لم يتخرجوا من الثانويات الفرنسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق