الجمعة، 5 أكتوبر 2018

حرب الاستنزاف -19

مع توالي الأحداث وتصاعدها، زاد الإحساس لدى القيادة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي بأن حرب الاستنزاف المضاد ما هي إلا استنزاف آخر لإسرائيل نفسها. وبدأت تتصاعد موجات السخط مع الإعلان عن خسائر إسرائيل التي تتزايد يوما بعد يوم. وفي داخل القيادة الإسرائيلية نفسها، بدأت الصراعات بين الحمائم والصقور تكيل الاتهامات لبعضها.
 فالعملية بريها لم تحقق شيئا سوى الدعم السوفيتي سواء بالسلاح أو الوجود على مسرح القتال، ولم ينتج عنها إلا تآكل الجيش والطيران الإسرائيلي. ومردودها الوحيد هو تصاعد العمليات العسكرية المصرية.
ولم يأت النقد العنيف من داخل إسرائيل وحدها، بل من الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، التي صدمت من زيادة الوجود السوفياتي في مسرح الشرق الأوسط. وشعرت أوروبا أن تأثيرات الحرب انعكست عليها، خصوصا بعد أن انتقلت حرب الاستنزاف إلى أبعاد جديدة، بتدمير الحفار الإسرائيلي كيتنج في ميناء أبيدجان عاصمة ساحل العاج، ويحتمل أن يمتد ذلك إلى مناطق بترولية للتأثير على المصالح الغربية.
وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن استمرار الحرب لا يحقق مصالحها أو مصالح إسرائيل، لذلك سعت إلى تقديم مبادرة روجرز، التي تقدم بها فعلا وزير الخارجية الأمريكي، الذي تحمل المبادرة اسمه، يوم 19 يونيو 1970 إلى كل من مصر وإسرائيل. جاء في نصها الآتي:
" تعلن أطراف النزاع في الشرق الأوسط، وتنفذ وقفا محدوداً لإطلاق النار مدته تسعون يوما، وفي هذه الفترة ينشط السفير جونار يارنج لينفذ قرار مجلس الأمن رقم 242، وبالتحديد فيما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم، يقوم على الاعتراف المتبادل والسيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي، بسحب إسرائيل قواتها من الأراضي التي احتلتها في معركة 1967 ".
وكانت المبادرة بهذه الصيغة المتوازنة تنبع من روح قرار مجلس الأمن 242. ووجد الرئيس جمال عبد الناصر أن قبولها أمر ممكن، لإعطاء فرصة للقوات المسلحة لاستعادة كفاءتها القتالية بعد حرب متصلة استمرت قرابة الألف يوم. ووجدت فيها إسرائيل فرصة للخروج من أزمتها وإيقاف نزيف الخسائر الذي تتعرض له، وقبلت الأطراف المبادرة وأُعلن وقف إطلاق النيران اعتبارا من يوم 8 أغسطس 1970.
 تعد حرب الاستنزاف أطول الحروب بين العرب وإسرائيل, وهي أول صراع مسلح تضطر إسرائيل فيه إلي الاحتفاظ بنسبة تعبئة عالية ولمدة طويلة وهو ما ترك آثاره السلبية علي معنويات الشعب الإسرائيلي واقتصاد الدولة خاصة أن قادة إسرائيل كانوا قد سبق لهم الإعلان للإسرائيليين أن حرب 67 هي آخر الحروب. 
وقد نشرت المجلة العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي أن القوات الإسرائيلية فقدت خلال حرب الاستنزاف أربعين طيارا و827 فردا في القوات البرية و 3141 ما بين جريح وأسير. وفي المجال الاقتصادي زاد حجم الانفاق العسكري بما مقداره 300 في المئة تحملها أفراد الشعب الإسرائيلي حيث بلغ نصيب الفرد 417 دولارا في عام 1970 بينما كان 168 دولارا في عام.1966 أما عن الجانب المصري فلم يكن يهتم إلا بالتدريب الجاد الشاق للوصول إلي أعلي درجات الكفاءة القتالية انتظارا للحظة الحسم, وهو ما جعل الخبراء يؤكدون أن لولا حرب الاستنزاف لاستمر الحال علي ما هو عليه, ولكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية استطاعت من خلال عمليات الاستنزاف التعرف علي كل قدرات وإمكانات العدو في مختلف الأسلحة سواء الجوية أو البرية أو البحرية والمدرعات والمدفعية ووسائل الدفاع الجوي.. 
وهو ما مكن القوات المصرية من تطوير أداء ومعدلات السلاح الذي تملكه فكانت المفاجأة الكبري التي أذهلت العالم في أكتوبر 1973

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق