الخميس، 5 أبريل 2018

عمر بن المختار بن عمر(5)

عند أسر عمر المختار، دار الحوار التالي بينه وبين الجنرال الإيطالي غراتسياني حاكم مستعمرة ليبيا الإيطالية آنذاك:

   عمر المختار
غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة الفاشستية؟
المختار: من أجل وطني وديني.

غراتسياني: هل كنت تأمل في يومٍ من الأيام أن تطردنا من برقة بإمكاناتكم الضئيلة وعدد رجالك القليل؟

المختار: لا، هذا كان مستحيلاً.

غراتسياني: إذاً ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه؟

المختار: لا شيء إلا طردكم من بلادي لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.

غراتسياني: لكن كتابتك يقول: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، بمعنى لا تجلبوا الضّرر لأنفسكم ولا لغيركم من الناس، القرآن يقول هذا.

المختار: نعم.

غراتسياني: إذاً لماذا تحارب؟

المختار: كما قلت، من أجل وطني وديني.

غراتسياني: (فما كان مني إلا أن قلت له): لا، أنت تحارب من أجل السنوسية.

المختار (نظر إليه نظرة حادة كالوحش المفترس وقال): لستَ على حقٍّ فيما تقول، ولك أن تظن ما ظننتَ، ولكن الحقيقة الساطعة التي لا غبار عليها إنني أحاربكم من أجل ديني ووطني لا كما قلتَ.

غراتسياني: لماذا قطعت المهادنة السارية وأمرتَ بالهجوم على قصر المقدم؟

المختار: لأنه منذ شهرٍ أرسلتُ رسالةً إلى المارشال بادليو ولم يجبني عنها، وبقيتُ من دون ردٍّ حتى الآن.

غراتسياني: هل أمرتَ بقتل الطيَّارَيْن هولر وبياتي؟

المختار: نعم، كل الأخطاء والتّهم في الواقع هي مسؤولية الرئيس والحرب هي الحرب.

غراتسياني: هذا صحيح، لو كانت حرباً حقيقيةً لا قتلاً وسلباً كيف حروبك.

المختار: هذا رأي، فيه إعادة نظر، وأنتَ الذي تقول هذا الكلام ولا زلتُ أكرّر لك الحرب هي الحرب.

غراتسياني: بموقفك في موقعة قصر المقدم، ضيَّعت كل أملٍ وكل حقٍّ في الحصول على رحمة وعفو الحكومة الإيطالية الفاشستية.

المختار: هذا مكتوب، وعلى كلٍّ عندما وقع جوادي وألقي القبض عليَّ كانت معي ستّ طلقاتٍ وكان في استطاعتي أن أدافع عن نفسي وأقتل كل من يقترب مني، حتى الذي قبض عليَّ وهو أحد الجنود من فرقة الصواري المتطوّعين معكم، وكان في إمكاني كذلك أن أقتل نفسي.

غراتسياني: ولماذا لم تفعل؟

المختار: لأنه كان مقدراً أن يكون.

غراتسياني: بما لك من نفوذٍ وجاهٍ في كم يومٍ يمكنك أن تأمر العصاة (الثوار) بأن يخضعوا لحكمنا ويسلّموا أسلحتهم وينهوا الحرب؟

المختار: أبداً، كأسيرٍ لا يمكنني أن أعمل أيَّ شيءٍ، ثم استطرد: من دون جدوى، نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلّنا الواحد بعد الآخر ولا نسلّم أو نلقي السلاح، وأنا هنا لم يسبق لي أن استسلمت، وهذا على ما أظن حقيقيٌّ وثابتٌ عندكم.

غراتسياني: اعتبر نفسك محمياً من الله وتحارب من أجل قضيَّة مُقدَّسة وعادلة؟

المختار: نعم، وليس هناك أي شك في ذلك، فقد قال الله تعالى: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، صدق الله العظيم.

غراتسياني: إذاً استمع إلى ما أقوله لك أمام قواتي المسلحة من نالوت إلى الجبل الأخضر في برقة. كل مشائخ ورؤساء العصاة (الثوار) منهم من هرب ومنهم من قتل في ميدان القتال ولم يقع منهم أيّ أحدٍ حيًّا في يدي. أليس من العجيب أن يقع أسيراً بين يدي من كان يعتبر أسطورة الزمن الذي لم يُغلَب أبداً بل المحميّ من الله دون سواه؟!

المختار: تلك مشيئة الله.

غراتسياني: الحياة وتجاربها تجعلني أعتقد وأؤمن بأنَّك كنت دائماً قوياً، ولهذا فإنّي أتمنى أن تكون كذلك الآن مهما يحدث لك، ومهما تكن الظروف.

المختار: إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق