الاثنين، 11 يونيو 2018

الدولة العثمانية(116)

15-أورخان
عسكرت قُوَّة سُليمان بن أورخان تحت أسوار العاصمة البيزنطيَّة لِفترةٍ من الزمن، لكنَّها استُدعيت فجأة إلى الأناضول بِسبب خطرٍ غير مُحدد، ويبدو أنَّ السبب هو عدم وفاق العُثمانيين مع جيرانهم من الإمارات التُركمانيَّة، إذ كان العُثمانيُّون قد انتزعوا خِلال فترة حملتهم في الروملِّي مدينة أنقرة من القرمانيين، فلجأ هؤلاء إلى الإيريتنيين، أتباع الأمير «أرتنا»، الذين كانوا يُعدون أنفُسهم مسؤولين عن إدارة الأناضول بعد رحيل الحاكم المغولي تيمورطاش في سنة 727هـ المُوافقة لِسنة 1327م، وقد نتج عن ذلك أن خرجت أنقرة عن سيطرة العُثمانيين
 لكنَّ هؤلاء احتفظوا بِقلعة «چمپه» المُهمَّة وراحوا يشُنُّون الغارات منها على مدينة گاليپولي الواقعة على شاطئ الدردنيل، وهي ذات أهميَّة اقتصاديَّة كبيرة، وعلى تراقيا، واستطاعوا خِلال مُدَّة وجيزة من فتح گاليپولي، وذلك إثر زلزالٍ شديدٍ تعرَّضت له في 6 صفر 755هـ المُوافق فيه 2 مارس 1354م تصدَّعت خلاله أسوارها، ثُمَّ ساءت الحياة بشكلٍ أكبرٍ فيها بعد العواصف الثلجيَّة والمطر الشديد الذي خلف ذلك الزلزال. وكان سُليمان في «قره بيجة» القريبة منها، فاستغلَّ هذه الفُرصة وحاصر المدينة ثُمَّ فتحها، كما فتح قلاعًا عدَّة في المنطقة منها أبسالا ورودستو
 فاشتدَّ بِذلك الضغط العُثماني على القُسطنطينيَّة، وأضحى قطاع تراقيا هدف العُثمانيين التالي، وفعلًا خضع هذا الإقليم لهم.
 وحتَّى يُثبِّت أقدام العُثمانيين في المناطق المفتوحة ومنع البيزنطيين من استعادتها، عمد أورخان إلى نقل أعداد كبيرة من الرُعاة التُركمان إليها بِهدف أسلمتها وتتريكها. والواقع أنَّ دُخول التُرك بِعامَّةً إلى منطقة الروملِّي وترسيخ أقدامهم فيها، جرى بشكلٍ مُنظمٍ، فكانت كُلَّما تقدمت مناطق الحُدود التي استوطنها المُجاهدون القادمون من الأناضول، نحو الغرب، ازدادت فُرص العمل والرزق في الأراضي المفتوحة، فتجتذب الناس الذين كانوا يعيشون في ضيقٍ في الأناضول.
 وفي خلال عدَّة أشهر أُصلحت منازل گاليپولي بشكلٍ يجعلها صالحة لِلحياة، وأُنشئت أسوارها من جديد، وتحوَّلت إلى مدينةٍ مُسلمة كُل سُكَّانها تُركٌ مُسلمون. طلب الإمبراطور البيزنطي من سُليمان باشا وجُنوده والتُركمان الذي استقروا في گاليپولي الانسحاب منها بعد أن رأى تبدُّل الوجه الديمُغرافي لِلمنطقة، إلَّا أنَّ سُليمان باشا ردَّ عليه بأنَّهُ وقومه جاؤوا إلى المنطقة ولم يُخرجوا أحدًا من بيته بِالقُوَّة وأنهم لن يردُّوا عطية الله لهم. وحاول الإمبراطور إغراء العُثمانيين لِلخُروج منالمدينة، فعرض عليهم مصاريف إخلائها ودفع تعويضاتٍ لهم، إلَّا أنَّ سُليمان باشا لم يقبل رُغم ذلك. واشتكى الإمبراطور لصهره أورخان غازي، وتقرر أن يُقابله في إزميد، إلَّا أنَّ أورخان يذهب لِلقاء بِسبب مرضه وصُعوبة سفره. أمَّا الإمبراطور الذي اعتبر ذلك هزيمة كبيرة أُصيب بيأسٍ كبير.
 وما حدث في القُسطنطينيَّة آنذاك من حسم الصراع على السُلطة، حيثُ حمَّل الشعب البيزنطي يُوحنَّا السادس مسؤوليَّة استقرار المُسلمين في البلقان، الأمر الذي دفعهُ إلى التنازل عن الحُكم في 1 ذي الحجَّة 756هـ المُوافق فيه 4 ديسمبر 1355م لِصالح يُوحنَّا الخامس؛ أتاح لِلعُثمانيين التدخُّل في صميم الحياة البيزنطيَّة، لِأنَّ سُليمان تدخَّل في هذا النزاع لِمصلحة الثاني، وتأكَّد هذا التعاون بِالتقارُب الأُسري حيثُ خطب الشاهزاده خليل بن أورخان إحدى بنات الإمبراطور، وجرى الاحتفال بِمراسم الخِطبة في القُسطنطينيَّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق