ومنذ ذلك بدأ الناس ينظرون إليهم بأنهم أشخاص يحتاجون فعلا إلى علاج ، وعند ذاك تم تحويل السجون التي كانوا فيها يحتجزون ، إلى مستشفيات فيها يعالجون .
كان إنشاء مستشفيات متخصصة بالطب النفسي أن ترتب عليها معرفة ضخمة مكنت المختصين من استنباط نتائج جد ناجحة .
ففي عام ( 1822 ) كان الطبيب النفساني بيل قد وصف الشلل المستفحل لدى المريض وصفا دقيقا ، وقام أسكويرول بأول محاولة لتصنيف الأمراض النفسية ، وعرف خصائص أمراض الأوهام والهلوسات ، وأكد على أهمية العلامات الجسمية الدالة على مدى تدهور الحالات العقلية ، وذكر تشخيصات طبية تحقق منها هو أيضا ، وأكد كل من ديادوفسكي والينسكي دور العوامل البيئية في تسريع نشوء الذهانات والتسبب في وجودها لدى بعض الأفراد.
وفي القرن التاسع عشر كانت هناك مثل تلك الممارسات المستفظعة ، سارية المفعول وسائدة ، ومنها مثلا ، صب الماء البارد فوق رأس المريض وجسمه ، والفصد لإسالة الدم بغزارة ، والتدوير بسرعة كبيرة في مكائن خاصة أعدت خصيصا لهذا الغرض .
وبقي الحال كذلك إلى أن جاء الطبيب الألماني جريسنجر ( 1817 – 1868 ) الذي كان يصر على وجوب توجيه العناية في الطب النفسي إلى النواحي الجسمية في حالة نشوء الأمراض العقلية ، ومن هنا جاءت فكرة الدمج بين الطب النفسي والطب العام .
وفي نهاية القرن التاسع عشر طرأ تقدم ملحوظ في مجال البحوث الخاصة بفسلجة الجهاز العصبي وتشريحه ومعرفة وظائفه . كل ذلك أفضى إلى اكتشاف الوظائف الحركية في أنحاء متفرقة من أنسجة الجسم ، وأدى إلى التعرف على الإنعكاسات الحاصلة في الجملة العصبية من الجسم ، الأمر الذي أدى إلى تقدم ظاهر في مجالات علم النفس عامة والطب النفسي خاصة .
وما إن شارف القرن التاسع عشر على نهايته حتى كان هناك أطباء في ميدان الطب النفسي أمثال بلنسكي ( 1827 – 1902 ) من روسيا ، الذي قسم الأمراض العقلية إلى أمراض عصبية واضطرابات عقلية ، وكاندنسكي ( 1849 – 1889 ) الذي أدخل موضوع التحليل الفسيولوجي في تشخيص الاضطرابات العقلية ، وكورساكوف ( 1824 – 1900 ) الذي اكتشف بعض الأمراض العقلية والنفسية كالذهان العصبي المتعدد ، وهذا النوع من الذهان ينجم عادة من تعاطي الكحول وإدمانها ، حتى أن أصبح هذا المرض يعرف باسم(ذهان كورساكوف) .
وهناك إنجاز أخر تحقق على يدي كورساكوف ، ذلك هو التمييز بين نوعين من الضعف العقلي ( الضعف العقلي الولادي ، والضعف العقلي الطارئ الناجم عن أحداث البيئة بمختلف أعراضها وعوارضها ) وميز بين ( الضعف العقلي الولادي ، وبين ذهان الهوس الاكتئابي ) .
كل هذه التطورات قد رسخت مكانتها الجهود التي قام بها الطبيب النفساني الألماني كريبلن ( 1856 - 1926 ) ، إذ أنه عزز ما كان هناك من تصنيفات للأمراض العقلية وأكد عليها ، وبين كيف يمكن التصدي لمعالجتها للتخفيف مما يتعرض لويلاتها كثير من الناس في أنحاء العالم .
ولعل أكبر إسهام في ميدان الطب النفسي هو ما قام به الطبيب النفساني الألماني المرموق بونهايفر ( 1868 – 1948 ) الذي أكد على العوامل الخارجية التي تبدو أعراضها على المريض فيستشفي منها ومما يكمن وراءها من عوامل داخلية . وإذا ما أهملت هذه الأعراض فإنها تتفاعل فيما بينها فتفضي إلى ما يضر بالصحة النفسية والجسمية للمريض ، فتنشأ عن ذلك متلازمات Syndroms تحمل في طياتها أمراضا عقلية غير محددة ، تتخلخل من جرائها قوى العقل ، ولاسيما الجوانب اللاشعورية منه .
ومن الإسهامات البارزة في مجال الطب النفسي هو مبدأ بافلوف ( 1849 – 1936 ) المتعلق بالميكانزمات الفسيولوجية التي تحصل على شكل نشاط فعال في الجهاز العصبي الأعلى ، والذي ترتب على هذا المبدأ وجود علاقة مرضية مؤكدة بين الاضطرابات العقلية والاختلالات العصبية .
ونحن بصدد السياق التاريخي للطب النفسي ، فلا بد من التعريج على ذكر المدرسة الفرويدية ، ومؤسسها سيجموند فرويد ( 1856 - 1939 ) والذي استمد نظريته من خبراته الذاتية ، والمشاهدات الإكلينيكية ، وأماط اللثام عن الكثير من غياهب النفس البشرية ، وأفصح عن العمليات الشعورية واللاشعورية ، وفسر الأحلام ، وقد حلل الأسباب الرئيسية للأمراض النفسية والعقلية ، وأعطى تفسيرا واضحا للميكانيزمات الداخلية المسببة لهذه الأمراض
ولاشك أن الكثير منا يتعرض يوميا لشدائد ، ولكن البعض يحتمل والبعض ينهار ، والبعض يصاب ببعض الأمراض النفسية والعقلية ... ومن الممكن أن يؤول هذا الاختلاف على أساس فروق فسيولوجية بين الأفراد ... فطريقة التعبير عن المرض بأعراض خاصة لاشك أنها تعتمد إلى حد كبير على شخصية الفرد ، على تطوره وتفاعله مع البيئة ... ولكن نشأة المرض تحتاج إلى استعداد فسيولوجي خاص ... ، لذلك فقد فسرت كل شكل من أشكال الاضطرابات العقلية بأنها تعزى إلى صراعات بين تطلعات الشعور وكوافي اللاشعور ، فهي تعتبر اللاشعور مستودعا تتراكم فيه وتتكتل غرائز عمياء ونزوات هوجاء تنبثق من مصدر الطاقة الجنسية ، وهي الطاقة التي تظنها هذه المدرسة فطرية ، وترافق مسيرة حياة الإنسان ، فتتحكم في جميع نشاطاته طول حياته ، لذلك فهي تسيطر حتى على الحياة الاجتماعية للفرد ، حسب اعتقاد المدرسة الفرويدية .
غير أن وجهة نظر فرويد هذه ، قد طرأت عليها تبدلات أجراها يونج وأدلر ، فيونج مثلا الذي افترق عن فرويد فيما بعد وخالفه الرأي ، أسس مدرسة علم النفس التحليلي ذهب إلى أن سلوك الإنسان تتحكم فيه وتهيمن عليه عوامل جمعية ، وعوامل فردية ذاتية ، في حين أن العصاب عند الفرد يعزى إلى انفصام في العلاقة بين هذه العمليات النفسية ، وأنه – العصاب – إنما ينشأ نتيجة لعدم تكامل قوة الإرادة عند الإنسان .
كان إنشاء مستشفيات متخصصة بالطب النفسي أن ترتب عليها معرفة ضخمة مكنت المختصين من استنباط نتائج جد ناجحة .
ففي عام ( 1822 ) كان الطبيب النفساني بيل قد وصف الشلل المستفحل لدى المريض وصفا دقيقا ، وقام أسكويرول بأول محاولة لتصنيف الأمراض النفسية ، وعرف خصائص أمراض الأوهام والهلوسات ، وأكد على أهمية العلامات الجسمية الدالة على مدى تدهور الحالات العقلية ، وذكر تشخيصات طبية تحقق منها هو أيضا ، وأكد كل من ديادوفسكي والينسكي دور العوامل البيئية في تسريع نشوء الذهانات والتسبب في وجودها لدى بعض الأفراد.
وفي القرن التاسع عشر كانت هناك مثل تلك الممارسات المستفظعة ، سارية المفعول وسائدة ، ومنها مثلا ، صب الماء البارد فوق رأس المريض وجسمه ، والفصد لإسالة الدم بغزارة ، والتدوير بسرعة كبيرة في مكائن خاصة أعدت خصيصا لهذا الغرض .
وبقي الحال كذلك إلى أن جاء الطبيب الألماني جريسنجر ( 1817 – 1868 ) الذي كان يصر على وجوب توجيه العناية في الطب النفسي إلى النواحي الجسمية في حالة نشوء الأمراض العقلية ، ومن هنا جاءت فكرة الدمج بين الطب النفسي والطب العام .
وفي نهاية القرن التاسع عشر طرأ تقدم ملحوظ في مجال البحوث الخاصة بفسلجة الجهاز العصبي وتشريحه ومعرفة وظائفه . كل ذلك أفضى إلى اكتشاف الوظائف الحركية في أنحاء متفرقة من أنسجة الجسم ، وأدى إلى التعرف على الإنعكاسات الحاصلة في الجملة العصبية من الجسم ، الأمر الذي أدى إلى تقدم ظاهر في مجالات علم النفس عامة والطب النفسي خاصة .
وما إن شارف القرن التاسع عشر على نهايته حتى كان هناك أطباء في ميدان الطب النفسي أمثال بلنسكي ( 1827 – 1902 ) من روسيا ، الذي قسم الأمراض العقلية إلى أمراض عصبية واضطرابات عقلية ، وكاندنسكي ( 1849 – 1889 ) الذي أدخل موضوع التحليل الفسيولوجي في تشخيص الاضطرابات العقلية ، وكورساكوف ( 1824 – 1900 ) الذي اكتشف بعض الأمراض العقلية والنفسية كالذهان العصبي المتعدد ، وهذا النوع من الذهان ينجم عادة من تعاطي الكحول وإدمانها ، حتى أن أصبح هذا المرض يعرف باسم(ذهان كورساكوف) .
وهناك إنجاز أخر تحقق على يدي كورساكوف ، ذلك هو التمييز بين نوعين من الضعف العقلي ( الضعف العقلي الولادي ، والضعف العقلي الطارئ الناجم عن أحداث البيئة بمختلف أعراضها وعوارضها ) وميز بين ( الضعف العقلي الولادي ، وبين ذهان الهوس الاكتئابي ) .
كل هذه التطورات قد رسخت مكانتها الجهود التي قام بها الطبيب النفساني الألماني كريبلن ( 1856 - 1926 ) ، إذ أنه عزز ما كان هناك من تصنيفات للأمراض العقلية وأكد عليها ، وبين كيف يمكن التصدي لمعالجتها للتخفيف مما يتعرض لويلاتها كثير من الناس في أنحاء العالم .
ولعل أكبر إسهام في ميدان الطب النفسي هو ما قام به الطبيب النفساني الألماني المرموق بونهايفر ( 1868 – 1948 ) الذي أكد على العوامل الخارجية التي تبدو أعراضها على المريض فيستشفي منها ومما يكمن وراءها من عوامل داخلية . وإذا ما أهملت هذه الأعراض فإنها تتفاعل فيما بينها فتفضي إلى ما يضر بالصحة النفسية والجسمية للمريض ، فتنشأ عن ذلك متلازمات Syndroms تحمل في طياتها أمراضا عقلية غير محددة ، تتخلخل من جرائها قوى العقل ، ولاسيما الجوانب اللاشعورية منه .
ومن الإسهامات البارزة في مجال الطب النفسي هو مبدأ بافلوف ( 1849 – 1936 ) المتعلق بالميكانزمات الفسيولوجية التي تحصل على شكل نشاط فعال في الجهاز العصبي الأعلى ، والذي ترتب على هذا المبدأ وجود علاقة مرضية مؤكدة بين الاضطرابات العقلية والاختلالات العصبية .
ونحن بصدد السياق التاريخي للطب النفسي ، فلا بد من التعريج على ذكر المدرسة الفرويدية ، ومؤسسها سيجموند فرويد ( 1856 - 1939 ) والذي استمد نظريته من خبراته الذاتية ، والمشاهدات الإكلينيكية ، وأماط اللثام عن الكثير من غياهب النفس البشرية ، وأفصح عن العمليات الشعورية واللاشعورية ، وفسر الأحلام ، وقد حلل الأسباب الرئيسية للأمراض النفسية والعقلية ، وأعطى تفسيرا واضحا للميكانيزمات الداخلية المسببة لهذه الأمراض
ولاشك أن الكثير منا يتعرض يوميا لشدائد ، ولكن البعض يحتمل والبعض ينهار ، والبعض يصاب ببعض الأمراض النفسية والعقلية ... ومن الممكن أن يؤول هذا الاختلاف على أساس فروق فسيولوجية بين الأفراد ... فطريقة التعبير عن المرض بأعراض خاصة لاشك أنها تعتمد إلى حد كبير على شخصية الفرد ، على تطوره وتفاعله مع البيئة ... ولكن نشأة المرض تحتاج إلى استعداد فسيولوجي خاص ... ، لذلك فقد فسرت كل شكل من أشكال الاضطرابات العقلية بأنها تعزى إلى صراعات بين تطلعات الشعور وكوافي اللاشعور ، فهي تعتبر اللاشعور مستودعا تتراكم فيه وتتكتل غرائز عمياء ونزوات هوجاء تنبثق من مصدر الطاقة الجنسية ، وهي الطاقة التي تظنها هذه المدرسة فطرية ، وترافق مسيرة حياة الإنسان ، فتتحكم في جميع نشاطاته طول حياته ، لذلك فهي تسيطر حتى على الحياة الاجتماعية للفرد ، حسب اعتقاد المدرسة الفرويدية .
غير أن وجهة نظر فرويد هذه ، قد طرأت عليها تبدلات أجراها يونج وأدلر ، فيونج مثلا الذي افترق عن فرويد فيما بعد وخالفه الرأي ، أسس مدرسة علم النفس التحليلي ذهب إلى أن سلوك الإنسان تتحكم فيه وتهيمن عليه عوامل جمعية ، وعوامل فردية ذاتية ، في حين أن العصاب عند الفرد يعزى إلى انفصام في العلاقة بين هذه العمليات النفسية ، وأنه – العصاب – إنما ينشأ نتيجة لعدم تكامل قوة الإرادة عند الإنسان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق