وتخفيفا من الغلو في نظرية فرويد عن ( الجنسية الشاملة الكلية ) جاء الفرويديون الجدد ، ومنهم ( هورناي ، وفروم ،وسليفان وغيرهم آخرون ) فأكدوا دور المؤثرات الاجتماعية والثقافية ، ورأوا أنها هي التي تتسبب في نشوء الأمراض العصابية ، لكنهم قصروا دور الثقافة على تنشئة الطفل وتربيته ، فكأنهم أرادوا إبراز مفعول الثقافة وتأثيره على مرحلة تربوية بعينها .
ولقد تزعم كل من الكسندر ، وفايس ، ودنبر ، المدرسة النفسجسمية ، هذه المدرسة التي تبنت رؤية توفيقية فيما نجم بين الآراء من تفاوت ، ففي الوقت الذي يحث أتباع هذه المدرسة ، على دراسة الفرد بوصفه وحدة ، نفسية ، وجسمية ، ويحذرون من الاعتماد على الأساليب المعملية المختبرية اعتمادا مبالغا فيه ، فإنهم في الغالب يركنون إلى استخدام المبادئ المثالية على نطاق واسع في مجال علم النفي المتعمق الذي يبحث ما وراء الشعور ، وما يكمن وراء الظواهر السلوكية ( إنهم باختصار يتحرون معطيات التحليل النفسي ، مضافا إليها الحقائق الفسيولوجية ، ولاسيما تلك الحقائق التي جاء بها بافلوف وما تمخضت عنها أبحاثه في هذا الشأن .
وكذلك تزعم كرتشمر المدرسة الجبلية – الوراثية – التكوينية ( 1888 – 1964 ) والذي يرى أن الأمراض النفسية تنشأ أساسا نتيجة للتكوين الجبلي لجسم الإنسان ، وأن لكل فرد سمات ، تبدو ظاهرة في سلوكه ، مما يسمح لنا لأن نسميه بسمة مرض عقلي معين ، وأن الفرق بين شخص مريض وآخر سوي إنما هو فرق كمي فقط ، بمعنى أن أي مرض نفسي إنما ينم عن تفاقم في الكم الذي مصدره العاهات الولادية .
ومن الإسهامات المهمة التي كان لها دور فعال في مجال تقدم الطب النفسي الخاص بطبيعة الأمراض العقلية ، هو إسهام بكتريف ( 1857 – 1927 ) في دراسة الظواهر المتعلقة بمختلف ظواهر الأعراض العقلية . بيد أن أسلوبه في هذا الشأن لم ينج مما وجه إليه من نقد حاد على أساس أنه تبنى في العلاج النفس وجهة نظر مادية بحتة . غير أن هذه الهنات لم تقلل من جهده شيئا ، إذ أن بحوثه العلمية في ميادين الطب النفسي وعلم التشريح وعلم الأعصاب وعلم النفس قد بقيت شاخصة في هذا المضمار .
ويشير مرجع الكسندر وسيلزنك عن تاريخ الطب النفسي(1966 ) إلى أن الجمهور والحكومة والمهتمين بالصحة أصبحوا يعون أن الأمراض النفسية تمثل خطرا على البشرية لا يقل عن أشد الأمراض الجسمية خطورة ، وأنه بقدر وجود واحد من كل عشرة أشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية يعاني نوعا من المرض النفسي ، وأن ثلاثة عشر بالمائة من الشباب الذين يفحصهم الجيش الأمريكي يتبين أنهم غير مناسبين للخدمة العسكرية بسبب اضطرابات نفسية ، وأن بليونا ونصف من الدولارات يضيع سنويا في أمريكا بسبب تغيب الناس عن أعمالهم نتيجة اضطراباتهم النفسية ، وأننا بدأنا ندرك أخيرا هذه الضربة الفادحة التي تأخذها الأمراض النفسية من طاقات البشر وانتاجيتهم .
ويؤيد جيلمر ( 1971 ) نفس الرأي في مدى انتشار وخطورة الأمراض النفسية على المجتمع والإنتاج ، عند إشارته إلى قضاء واحد من كل ثلاثة عشر فردا ، جزءا من حياته في مستشفى عقلي ، وإلى أن واحدة من كل ثلاث عائلات فيها – على الأقل – واحد من أفرادها يعاني مشكلة انفعالية خطيرة ، وأن نصف أسرة المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية يشغلها مرضى عصبيون ونفسيون . كما يضيف جيلمر أن هناك من البيانات ما يشير إلى أن مشكلة الأمراض والاضطرابات النفسية في أوروبا لها نفس الخطورة والحدة
وعلى الرغم من عدم توافر بيانات مماثلة عن الواقع الفلسطيني والعربي إلا أننا نتوقع من – استقرائنا لظروفنا – تزايد انتشار وخطورة هذه الأمراض والاضطرابات النفسية ، وإن كانت تقل عنها في المجتمعات التي سبقتنا في التقدم والمدنية .
وما دمنا في سياق تاريخ الطب النفسي ، يجب التأكيد هنا على أن بعض الأطباء النفسانيين قد تأثروا بالمدرسة الوجودية في علم النفس ، وتقول هذه المدرسة أن موضوع علم النفس هو محتوى الشعور ومنهج دراسته هو الاستبطان ، ويركز التحليل النفسي ، حسب رأي هذه المدرسة على الأفعال القصدية والظواهر السلوكية الشعورية .
إن ما طرأ من مفاهيم في ميدان الطب النفسي قد تباينت فيما بينها كثيرا ، فمنها ما يؤكد كما رأينا ، على الجانب المثالي ، ويشيح جانبا عن الركن المادي ، ومنها ما يأخذ بمفاهيم بافلوف ، ويعول على النزعة الفرويدية ، ومنها ما يناهض هذا الاتجاه أو ذاك (17) .
ثانيا – تعريف الأمراض النفسية والعقلية
إذا كان الطب قد أحيط عبر التاريخ بشيء من الغموض والخرافات ، فإن هذا الأمر أكثر ما يتجلى في مجال الأمراض النفسية والعقلية . فما تزال هناك الكثير من العقبات والصعاب في طريق من يحاول أن يستوعب مظاهر أمراض الدماغ ، والأمراض النفسية بشكل عام
وبشكل عام يستطيع الواحد منا أن يفهم الأمراض الجسدية العضوية من التهابات ، وجروح ، وكسور بشكل أسهل من فهم الأمراض النفسية ، وكذلك يستطيع الإنسان أن يشعر بشعور المصاب بالتهاب أو كسر ، فهذا المريض ما هو إلا " مثلي " ، ولكن يصعب على الإنسان أن يعتبر نفسه " مثل " المصاب بالأمراض النفسية ، ولذلك يشعر الكثير من المرضى النفسيين بالعزلة عن بقية الناس بسبب مرضهم ، وبسبب موقف الناس منهم ، وحتى قد يعاني البعض منهم من سوء المعاملة من جراء اختلافه عن الآخرين .
وفي مجال الأمراض الجسدية يسهل على الطبيب أن يؤكد وجود المرض أو الإصابة عن طريق صور شعاعية ، أو تحليل مخبري ، ولكن يصعب هذا الأمر في الأمراض النفسية ، والتي قد لا تتجلى بعلامات جسدية عضوية للمرض . فالمرض النفسي يلاحظ عادة من خلال سلوك المصاب أو دلائل مشاعره وتفكيره ، أو في أسلوب نظرته للعالم من حوله ، أو كل هذه الأمور مجتمعه
ولقد تزعم كل من الكسندر ، وفايس ، ودنبر ، المدرسة النفسجسمية ، هذه المدرسة التي تبنت رؤية توفيقية فيما نجم بين الآراء من تفاوت ، ففي الوقت الذي يحث أتباع هذه المدرسة ، على دراسة الفرد بوصفه وحدة ، نفسية ، وجسمية ، ويحذرون من الاعتماد على الأساليب المعملية المختبرية اعتمادا مبالغا فيه ، فإنهم في الغالب يركنون إلى استخدام المبادئ المثالية على نطاق واسع في مجال علم النفي المتعمق الذي يبحث ما وراء الشعور ، وما يكمن وراء الظواهر السلوكية ( إنهم باختصار يتحرون معطيات التحليل النفسي ، مضافا إليها الحقائق الفسيولوجية ، ولاسيما تلك الحقائق التي جاء بها بافلوف وما تمخضت عنها أبحاثه في هذا الشأن .
وكذلك تزعم كرتشمر المدرسة الجبلية – الوراثية – التكوينية ( 1888 – 1964 ) والذي يرى أن الأمراض النفسية تنشأ أساسا نتيجة للتكوين الجبلي لجسم الإنسان ، وأن لكل فرد سمات ، تبدو ظاهرة في سلوكه ، مما يسمح لنا لأن نسميه بسمة مرض عقلي معين ، وأن الفرق بين شخص مريض وآخر سوي إنما هو فرق كمي فقط ، بمعنى أن أي مرض نفسي إنما ينم عن تفاقم في الكم الذي مصدره العاهات الولادية .
ومن الإسهامات المهمة التي كان لها دور فعال في مجال تقدم الطب النفسي الخاص بطبيعة الأمراض العقلية ، هو إسهام بكتريف ( 1857 – 1927 ) في دراسة الظواهر المتعلقة بمختلف ظواهر الأعراض العقلية . بيد أن أسلوبه في هذا الشأن لم ينج مما وجه إليه من نقد حاد على أساس أنه تبنى في العلاج النفس وجهة نظر مادية بحتة . غير أن هذه الهنات لم تقلل من جهده شيئا ، إذ أن بحوثه العلمية في ميادين الطب النفسي وعلم التشريح وعلم الأعصاب وعلم النفس قد بقيت شاخصة في هذا المضمار .
ويشير مرجع الكسندر وسيلزنك عن تاريخ الطب النفسي(1966 ) إلى أن الجمهور والحكومة والمهتمين بالصحة أصبحوا يعون أن الأمراض النفسية تمثل خطرا على البشرية لا يقل عن أشد الأمراض الجسمية خطورة ، وأنه بقدر وجود واحد من كل عشرة أشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية يعاني نوعا من المرض النفسي ، وأن ثلاثة عشر بالمائة من الشباب الذين يفحصهم الجيش الأمريكي يتبين أنهم غير مناسبين للخدمة العسكرية بسبب اضطرابات نفسية ، وأن بليونا ونصف من الدولارات يضيع سنويا في أمريكا بسبب تغيب الناس عن أعمالهم نتيجة اضطراباتهم النفسية ، وأننا بدأنا ندرك أخيرا هذه الضربة الفادحة التي تأخذها الأمراض النفسية من طاقات البشر وانتاجيتهم .
ويؤيد جيلمر ( 1971 ) نفس الرأي في مدى انتشار وخطورة الأمراض النفسية على المجتمع والإنتاج ، عند إشارته إلى قضاء واحد من كل ثلاثة عشر فردا ، جزءا من حياته في مستشفى عقلي ، وإلى أن واحدة من كل ثلاث عائلات فيها – على الأقل – واحد من أفرادها يعاني مشكلة انفعالية خطيرة ، وأن نصف أسرة المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية يشغلها مرضى عصبيون ونفسيون . كما يضيف جيلمر أن هناك من البيانات ما يشير إلى أن مشكلة الأمراض والاضطرابات النفسية في أوروبا لها نفس الخطورة والحدة
وعلى الرغم من عدم توافر بيانات مماثلة عن الواقع الفلسطيني والعربي إلا أننا نتوقع من – استقرائنا لظروفنا – تزايد انتشار وخطورة هذه الأمراض والاضطرابات النفسية ، وإن كانت تقل عنها في المجتمعات التي سبقتنا في التقدم والمدنية .
وما دمنا في سياق تاريخ الطب النفسي ، يجب التأكيد هنا على أن بعض الأطباء النفسانيين قد تأثروا بالمدرسة الوجودية في علم النفس ، وتقول هذه المدرسة أن موضوع علم النفس هو محتوى الشعور ومنهج دراسته هو الاستبطان ، ويركز التحليل النفسي ، حسب رأي هذه المدرسة على الأفعال القصدية والظواهر السلوكية الشعورية .
إن ما طرأ من مفاهيم في ميدان الطب النفسي قد تباينت فيما بينها كثيرا ، فمنها ما يؤكد كما رأينا ، على الجانب المثالي ، ويشيح جانبا عن الركن المادي ، ومنها ما يأخذ بمفاهيم بافلوف ، ويعول على النزعة الفرويدية ، ومنها ما يناهض هذا الاتجاه أو ذاك (17) .
ثانيا – تعريف الأمراض النفسية والعقلية
إذا كان الطب قد أحيط عبر التاريخ بشيء من الغموض والخرافات ، فإن هذا الأمر أكثر ما يتجلى في مجال الأمراض النفسية والعقلية . فما تزال هناك الكثير من العقبات والصعاب في طريق من يحاول أن يستوعب مظاهر أمراض الدماغ ، والأمراض النفسية بشكل عام
وبشكل عام يستطيع الواحد منا أن يفهم الأمراض الجسدية العضوية من التهابات ، وجروح ، وكسور بشكل أسهل من فهم الأمراض النفسية ، وكذلك يستطيع الإنسان أن يشعر بشعور المصاب بالتهاب أو كسر ، فهذا المريض ما هو إلا " مثلي " ، ولكن يصعب على الإنسان أن يعتبر نفسه " مثل " المصاب بالأمراض النفسية ، ولذلك يشعر الكثير من المرضى النفسيين بالعزلة عن بقية الناس بسبب مرضهم ، وبسبب موقف الناس منهم ، وحتى قد يعاني البعض منهم من سوء المعاملة من جراء اختلافه عن الآخرين .
وفي مجال الأمراض الجسدية يسهل على الطبيب أن يؤكد وجود المرض أو الإصابة عن طريق صور شعاعية ، أو تحليل مخبري ، ولكن يصعب هذا الأمر في الأمراض النفسية ، والتي قد لا تتجلى بعلامات جسدية عضوية للمرض . فالمرض النفسي يلاحظ عادة من خلال سلوك المصاب أو دلائل مشاعره وتفكيره ، أو في أسلوب نظرته للعالم من حوله ، أو كل هذه الأمور مجتمعه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق