السبت، 19 مايو 2018

الأمراض الذهانية


تضم هذه الأمراض مجموعة من الأمراض النفسية الشديدة ، والتي تتميز بتأثيرها الخطير على الشخصية ، بحيث تقعد الشخص عن التوافق مع من يعيشون معه ، وعن العمل المنتج ، بل غالبا ما يصل الأمر بالمريض لأن يصبح خطرا على نفسه وعلى الآخرين ، بحيث يلزم حجزه في المستشفى حماية له ودرءا لخطورته على المجتمع . والمريض هنا يكون إدراكه للواقع مضطربا ، بحيث لا يعود يدرك في الواقع ما هو موجود به فعلا ، بل ما يدور في ذهنه هو ، حتى ليكاد يختفي الفارق بين الواقع والخيال ، كالنائم الذي يحلم في نومه بأحداث وكأنها الواقع ، بينما هي لا تعدو أن تكون تخييلات لا مقابل لها في الواقع الفعلي المحيط به . وهكذا ، قد يدرك الذهاني أخاه الحميم على أنه عدو لدود ينبغي أن يبادر بالقضاء عليه ، قبل أن يسبقه أخوه هذا فيقضي عليه ، أو قد يرى الذهاني نفسه على أنه مجرم آثم يستحق الإعدام على ما اقترفه من جرائم ( وهمية بطبيعة الحال ) ، فيبادر إلى تنفيذ حكم الإعدام على نفسه فينتحر . وذلك بسبب شيوع أعراض الهلوسة والهذاء في الأمراض الذهانية .
ومن هنا قولنا أن الذهاني – عادة – خطير على نفسه وعلى الآخرين ، ويحتاج إلى احتياطات بالغة لحمايته من نفسه ، وحماية الآخرين من أضراره ... ولهذا ، فإن الجرائم التي يرتكبها الذهاني لا يعد مسئولا عنها جنائيا في غالبية الأحوال ، بحيث لا يجرم طالما أثبت الفحص أنه مريض ذهاني ، بل إن المحاكم تحكم – في مثل هذه الحالات – بالإيداع بالمستشفى لعلاجه والخروج بعد إتمام العلاج .
تعريف الذهان :
هو اضطراب عقلي خطير ، وخلل شامل في الشخصية ،يجعل السلوك العام للمريض مضطربا ويعوق نشاطه الاجتماعي .
والذهان يقابل الاصطلاح الدارج الشائع " الجنون " . والذهاني – عادة – لا يدرك أنه مريض أو شاذ ، لذا قلما يجيء الذهاني إلى المعالج طالبا العلاج ، بل أنه يقاوم العلاج عندما يجبره أهله على إلتماس العلاج  والنكوص للمريض الذهاني يكون إلى مراحل الطفولة المبكرة جدا   
( المرحلة الفمية والمرحلة الشرجية الأولى ) ،
وهذا هو السبب في أن مرض الذهان يكون أشد خطورة وأكثر تأثيرا على زعزعة كيان الشخصية وإفقادها اتزانها وتكاملها
تصنيف الذهان :
هذا ويصنف العلماء الأمراض الذهانية إلى قسمين رئيسيين :
أ – الأمراض الذهانية الوظيفية :
أي الأمراض النفسية المنشأ ، وهي الأمراض العقلية الذي لا ترجع إلى أسباب عضوية ، وأهم الأشكال الاكلينيكية للذهان الوظيفي هي : الفصام والهذاء ( البارانويا ) ، والاكتئاب ، والهوس ، وذهان الهوس والاكتئاب .
ب – الأمراض الذهانية العضوية :
أي الأمراض الذي يرجع المرض فيها إلى أسباب وعوامل عضوية ، وترتبط بتلف في الجهاز العصبي ووظائفه ، مثل ذهان الشيخوخة والذهان الناجم عن عدوى ، أو عن اضطراب الغدد الصماء ، أو عن الأورام ، أو عن اضطراب التغذية ، أو الأيض أو عن اضطراب الدورة الدموية ... إلخ .
أي نصنف الأمراض الذهانية حسب السبب الذي نشأ عنه الذهان  فإن كان السبب في نشأه الذهان إصابة عضوية يمكن كشفها بالوسائل العلمية المعروفة كان هذا ذهانا عضويا ، أما إن استحال تحديد سبب عضوي للذهان ، سمي ذهانا وظيفيا . على أننا ينبغي أن نقرر أن الذهان لا ينشأ – في الكثير من الحالات – عن سبب وظيفي فقط ، أو سبب عضوي فقط ، إنما يتكامل السببان – عادة – في تكوين الذهان مع غلبة السبب العضوي في الذهان العضوي ، وغلبة السبب الوظيفي في الذهان الوظيفي . ولهذا ، فليس من المستبعد وجود سبب عضوي وراء الذهان الوظيفي ، ولا وجود سبب وظيفي وراء الذهان العضوي .
أسباب الذهان : فيما يلي أهم أسباب الذهان :
1 – الاستعداد الوراثي المهيء ، إذا توافرت العوامل البيئية المسببة للذهان .
2 – العوامل العصبية والسمية والأمراض مثل إلتهاب المخ وجروح المخ وأورام المخ والجهاز العصبي المركزي والزهري والتسمم وأمراض الأوعية الدموية والدماغ كالنزيف وتصلب الشرايين .
2 – الصراعات النفسية والاحباطات والتوترات النفسية الشديدة ، وانهيار وسائل الدفاع النفسي أمام هذه الصراعات والاحباطات والتوترات .
3 – المشكلات الانفعالية في الطفولة والصدمات النفسية المبكرة .
4 – الاضطرابات الاجتماعية وانعدام الأمن وأساليب التنشئة الخاطئة في الأسرة مثل الرفض والتسلط والحماية الزائدة ... إلخ .
أعراض الذهان :
أعراض الذهان شديدة إذا قورنت بأعراض العصاب ، وعادة لا توجد مكاسب ثانوية مرتبطة بالأعراض . وفيما يلي أهم أعراض الذهان :
1 – اضطراب النشاط الحركي ، فيبدو البطء والجمود والأوضاع الغريبة والحركات الشاذة . وقد يبدو زيادة في النشاط وعدم الاستقرار والهياج والتخريب .
2 – تأخر الوظائف العقلية تأخرا واضحا . واضطراب التفكير بوضوح  فقد يصبح ذاتيا وخياليا وغير مترابط . ويضطرب سياق التفكير ، فيظهر طيران الأفكار أو تأخرها ، والمداومة والعرقلة ، والخلط ، والتشتت ، عدم الترابط . ويضطرب محتوى التفكير ، فتظهر الأوهام مثل أوهام العظمة أو الاضطهاد ، أو الإثم أو الإنعدام .... إلخ . واضطراب الفهم بشدة وعادة يكون التفاهم مع المريض صعبا . واضطراب الذاكرة والتداعي ، وتظهر أخطاء الذاكرة كثيرا . واضطراب الإدراك ووجود الخداع ، ووجود الهلوسات بأنواعها البصرية والسمعية والشمية والذوقية واللمسية والجنسية , واضطراب الكلام وعدم تماسكه ولا منطقيته . واضطراب مجراه ، فقد يكون سريعا أو بطيئا أو يعرقل ، واضطراب كمه بالنقصان أو الزيادة ، واضطراب محتواه حتى ليصبح في بعض الأحيان لغة جديدة خاصة . وضعف البصيرة أو فقدانها ، وأحيانا يكون هناك انفصال كامل عن الواقع ، ويشوهه المريض ويعيش في عالم بعيد عن الواقع . ويبدو عدم استبصار المريض بمرضه مما يجعله لا يسعى للعلاج ولا يتعاون فيه وقد يرفضه ويضطرب التوجيه بالنسبة للمكان والزمان .
3 – سوء التوافق الشخصي والاجتماعي والمهني .
4 – اضطراب الانفعال ، ويبدو التوتر والتبلد وعدم الثبات الانفعالي والتناقض الوجداني والخوف والقلق ومشاعر الذنب الشاذة . وقد تراود المريض فكرة الانتحار .
5 – اضطراب السلوك بشكل واضح ، فيبدو شاذا نمطيا انسحابيا ، واكتساب عادات وتقاليد وسلوك يختلف ، ويبتعد عن طبيعة الفرد ، وتبدو الحساسية النفسية الزائدة ، ويضطرب مفهوم الذات .
علاج الذهان :
جميع حالات الذهان تعالج في مستشفى الأمراض النفسية ، وذلك لما يحدثه الذهان من اضطراب شامل للشخصية ، ولما يؤدي إليه ذلك من سوء التوافق ، ولما يصاحبه من نقص في البصيرة . وفيما يلي أهم ملامح علاج الذهان :
1 – العلاج الطبي بالعقاقير المضادة للذهان ، كالمهدئات لضبط الانفعالات والسلوك . والعلاج بالصدمات الكهربائية تمهيدا للعلاج النفسي ، والتأهيل الطبي النفسي .
2 – العلاج النفسي الشامل والتدعيمي فرديا أو جماعيا . وتعديل السلوك الغريب أو الشاذ وتحقيق السلوك العادي بقدر الإمكان ، مع الاهتمام بعلاج مشكلات المريض بالاشتراك مع الأسرة .
3 – العلاج الاجتماعي وإعادة التطبيع والاندماج الاجتماعي وإعادة التعليم الاجتماعي ، وتشجيع التفاعل الاجتماعي وتنمية المهارات الاجتماعية . والعلاج البيئي والتدخل المباشر في تعديل البيئة . والعلاج بالعمل .
4 – الجراحة النفسية ( كحل أخير وبعد فشل جميع الوسائل العلاجية ) ، بشق مقدم الفص الجبهي ، وذلك حتى يقل الإجهاد والتوتر وردود الفعل الانفعالية .
مآل الذهان :
1 – مآل الذهان الوظيفي بصفة عامة أفضل من مآل الذهان العضوي . وفي الحالات المبكرة مع العلاج المناسب ، فإن التحسن أو الشفاء يحدث في حالات تصل نسبتها إلى ( 80 % ) من مرضى الذهان ، في مدة تتراوح بين بضعة أشهر وعام .
والعلاج المتأخر ، أو غير المنتظم ونقص التعاون من جانب المريض بإهمال العلاج من جانبه يؤدي إلى النكسات أو التدهور .
2 – وعلى العموم فإن مآل الذهان يكون أحسن : كلما عولج الذهان مبكرا ، وكلما كان بناء الشخصية قبل المرض أقوى ، وكلما تعاون المريض والأهل في عملية العلاج ، وكلما تضافر العلاج الطبي والنفسي والاجتماعي السليم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق