مآله حسن جدا ، خاصة كلما كانت الشخصية قبل المرض متوازنة والانا قوية ، وكلما كانت ظروف حياة المريض أقل قسوة ، وكلما كانت مكاسبه الأولية والثانوية من المرض أقل ، وكلما كانت دافعيته للشفاء وتعاونه مع المعالج أقوى .
وفيما يلي حالة لعصاب القلق :
موظف ، كتابي بإحدى الشركات ، عمره ( 23 سنة ) ، أعزب ، يقيم بالقاهرة ، وموطنه الأصلي إحدى قرى الصعيد . كانت شكواه بنص كلامه كما يلي : " القلق المستمر ، أبص ألاقي حالات جسمانية تصيبني ، مرة بيقوسولي الضغط ، يلاقوه عالي ، ومرة طبيعي . بالليل آجي أنام ، أبقى مش عارف . أبص ألاقي كإن فيه حاجة فوق رأسي مقفلة عيني ، آخذ علاج الضغط مفيش فايدة ، في شغلي بعد ما كنت منظم وكويس دلوقت مش قادر أشتغل ، اقعد على مكتبي خمس دقائق أروح قايم ، رغم إني عارف إن شغلي متعطل ، في الفترة الأخيرة لقيت نفسي باثور لأتفه الأسباب زي النهاردة الصبح داخل ، الساعي جه قال لي مش عارف إيه ، رحت واخذه بكوباية الينسون ... لو فيه موضوع معين في مخي عايز أدرسه ، ألاقي مخي مش قادر أركز ، ولا أعرف ابتدي منين ، لا يمكن دلوقت أقدر أقرأ حاجة ، وتثبت في دماغي على الرغم من إني كنت متفوق في دراستي ... كثير وأنا ماشي في الشارع يتهيأ لي أن فيه عربية حتصدمني .
وبدراسة تاريخه الأسري ، وظروف تنشئته ، تبين أنه نشأ في بيئة محافظة ، فقيرة في الصعيد ، وكان أكبر إخوته ، وأن والدته ماتت وهو في سن الرابعة عشرة
( وكانت وقت موتها غضبانة في بيت والدها !! ) ...
وأنها هي التي كانت تحرص على أن يتعلم ، حتى أن أخوته الأصغر منه لم يتعلموا
وربما كان ذلك بسبب موتها ، وكانت تحرص على أن تراه متفوقا جدا ، فيقول : " مرة طلعت الثاني ، قلعت الشبشب وضربتني " ، وكانت علاقته بوالده سيئة للغاية ...
" كان باستمرار يضربني ويطردني ويقولي : " انت لو نجحت حتعملي إيه ؟ " ..
وتزوج الوالد بعد وفاه الوالدة مباشرة ،وكانت زوجة الأب قاسية " مسيطرة على كل حاجة ، وإن كانت في الفترة الأخيرة بتحاول تتقرب مني ، علشان أساعدهم ماديا " ، وكان رب الأسرة هو جد المريض
( والد أبيه ) ، وكانت شخصيته مسيطرة على كل من بالمنزل ، وهو الذي صمم على أن يكمل المريض تعليمه ، ولكنه كان سببا في صدمة المريض نفسيا منذ الصغر ، إذ أن المريض اكتشف علاقة بين جدة وزوجة أبيه ، فصدم صدمة شديدة ...
هزت مثله العليا ، وحاول أن ينبه جده إلى أنه رأى ذلك المنظر بطريق غير مباشر ، فأخذ يقص عليه قصته ، وكأنه قرأها في كتب المدرسة ، وكان فحوى القصة ما جرى بين الجد وزوجه الأب ، وما كاد الجد يسمع هذه القصة حتى تبين ما يعنيه حفيده ، فأصيب بنوبة قلبية ، فشهق ومات ( ! )
( ولم نستطيع التأكد من مدى صحة هذه الرواية ! ) ...
وشعر بعد ذلك المريض بشعور بالذنب ، وأنه السبب في وفاة جده الحريص على تعليمه ، ولكنه كان يبرر ذلك بأنه لو ترك الأمور تسير دون تدخل منه لكان من المحتمل أن يكتشف والده العلاقة وينهار البيت جميعه .
أما السبب المرسب فكان انتهاء علاقة حب بين المريض وبين إحدى الفتيات التي كانت على غير دينه ، وابتدأت كل أعراض القلق تقريبا حين أخبرته أن قريبا لها خطبها .
وبالفحص العضوي تبين أن جسمه سليم ، وأن أعراضه ليس لها ما يبررها عضويا .
وهكذا نرى كيف تلعب الأسباب المهيئة دورا هاما في الإعداد للمرض ، وهي في هذه الحالة فقر الأسرة ، وقسوة الوالد ، ووفاه الأم ، وسوء معاملته زوجة الأب ، ثم سيطرة الجد ، ثم تحطيم المثل الأعلى فيه ، ثم الشعور بالذنب نحو وفاته .
ونرى أن السبب المرسب وهو خيبة الأمل في الحب ، وكان يمكن أن يمر بسلام لولا كل هذه المقدمات .
ونحب أن نشير إلى أن روايته عن حادثة جده وزوجة أبيه ثم وفاة جده ، بهذه الصورة الدرامية قد كان لها دلالتها في تكوين نفسية المريض وفي العلاج ، سواء كانت حقيقة أم من نسج الخيال
عصاب توهم المرض ( الهيبوكوندريا)
المريض هنا يتوهم إصابته فعلا بمرض أو أمراض معينة ، أو يتوهم استعداده للإصابة السريعة بمرض أو أمراض معينة ، لهذا فهو دائم التخوف والاحتياط حتى لا يصاب بالمرض ، وهو منشغل انشغالا زائدا بصحته وخائف عليها ، ومهتم اهتماما مفرطا بها ، وإن أصابته أخف الأمراض وأهونها جزع لذلك أشد الجزع ، وتوهم أنه أصيب بأشد الأمراض فتكا ، وظل في قلق بالغ حتى يشفى ، ولا يكاد يشفى حتى تعاوده مخاوفه من الإصابة بمرض خطير آخر .. وهكذا , وغالبا ما يفشل الآخرون ، بل وربما أطباؤه – أيضا – في طمأنته على صحته ، وفي إقناعه بخلوه من المرض . ومن هنا ، فهو دائم الشكوى من إصابته المتوهمة بأمراض معينة ، أو من خوفه من الإصابة بها ، حتى أن البعض يميل إلى تسميه هذا المرض بوسواس المرض
تعريف توهم المرض :
هو اضطراب نفسي المنشأ ، عبارة عن اعتقاد راسخ بوجود مرض ، رغم عدم وجود دليل طبي على ذلك . وهو تركيز الفرد على أعراض جسمية ، ليس لها أساس عضوي ، وذلك يؤدي على حصر تفكير الفرد في نفسه ، واهتمامه المرضي الدائم بصحته وجسمه ، بحيث يطغى على كل الاهتمامات الأخرى ، ويعوق اتصاله السوي بالآخرين ، ويشعره بالنقص والشك في نفسه ، كما يعوق اتصاله أيضا بالبيئة المحيطة به ، ويطلق عليه أحيانا " رد فعل توهم المرض "
ويختلف هذا المرض عن الهستيريا وعن الاضطرابات السيكوسوماتية ، بانه لا يصحبه اضطراب حقيقي في وظيفة أي عضو ، كما أن التعبير عن الأعراض لا يتم خلال الجهاز العصبي الذاتي أو الحسي الحركي ، وإنما هو اضطراب في محتوى الفكر أساسا ، وفي " صورة الجسم " في المخ
أسباب توهم المرض :
من أهم الأسباب ما يلي :
1 – الوراثة :
كثيرا ما يوجد هذا العصاب في عائلات شديدة الاهتمام بالمرض ، يشكو أكثر من فرد من أفرادها بنفس المرض أو بعصاب آخر ... وأحيانا ما يوجد تاريخ ذهاني في العائلة .
2 – البيئة :
تتصف أسرة المريض عادة بالتركيز على الصحة الجسمية ، والإكثار من التردد على الأطباء ، والخوف من المرض ، مما يجعل اهتمام المريض يتركز منذ كان طفلا على جسمه ووظائفه ، فإذا ما واجه ضغطا ما في البيئة ظهر المرض
3 – أسباب مرسبة لتوهم المرض :
قد يكمن السبب في صراع لاشعوري ، أو رفض موقف مزمن ، أو تهديد داخلي بظهور ذهان كامن
أو الحساسية النفسية عند بعض الناس ، حيث تجدهم يتوهمون أنهم مرضى بمرض يكونون قد سمعوا عنه من الأطباء أو المعالجين ، وفهموا فهما غير سليم أو أساءوا الفهم ، أو يكونون قد قرءوا عنه قراءة غير واعية ، وعلى غير أساس علمي في الكتب و المجلات الطبية . والاضطرابات الانفعالية الطويلة ، أو وجود القلق والضعف العصبي ، ووجود العدوان المكبوت ، ومحاولة مقاومته ، أو الفشل في الحياة بصفة خاصة الفشل في الحياة الزوجية ، وشعور الفرد بعدم قيمته وعدم كفايته ورفضه . ويكون توهم المرض بمثابة تعبير رمزي عن هذا الشعور ، ومحاولة الهرب من مسئوليات الحياة أو السيطرة على المحيط عن طريق كسب المحيطين والمخالطين ، أو العدوى النفسية ، حيث يكتسب المريض الأعراض من والديه اكتسابا ، حيث يوجد توهم المرض لديهما ، وحيث يلاحظ اهتمامهما أكثر من اللازم بصحة الأولاد ، أو خبرة المعاناة الشديدة من مرض سابق ، ووجود العدوان المكبوت ومحاولة مقاومته ، أو وجود تهديد شخصي لا شعوري ، مثل قرب دنو الأجل كما في الشيخوخة ، والخوف من فقدان الحب ، وانهيار الدفاعات النفسية ذد دفعات العدوان الجنسي وقد تكون كل هذه العوامل سببا في ظهور هذا العصاب
أعراض توهم المرض :
تتركز الأعراض أساسا في الشكوى من أعراض جسمية وآلام متنقلة وصداع ، وما يصاحبه من وهن ، وقد تكون هذه الشكاوي مبررا لأعراض نفسية أخرى مثل ضعف التركيز أو الانصراف عن الاستذكار ... وينبغي أن نلاحظ أنه إذا زادت الأعراض ، نخشى أن يكون وراءها ذهان كامن
فيما يلي أهم أعراض توهم المرض :
1 – تسلط فكرة المرض على الشخص ( وسواس ) . والشعور العام بعدم الراحة .
2 – تضخيم شدة الإحساس العادي بالتعب والألم ، والاهتمام المرضي ، والإشغال الدائم بالجسم والصحة والعناية الزائدة بها ، وكثرة التردد على أطباء عديدين ، والمبالغة في الأعراض التافهة وتضخيمها ، والاعتقاد أنها مرض خطير ( فمثلا المغص يعتبره قرحة في المعدة ... وهكذا ) .
3 – الشكوى من اضطرابات جسمية خاصة في المعدة والأمعاء وأي جزء أخر من أجزاء الجسم . ( فمثلا المراهق الذي يعاني من صراعات جنسية يكون توهم المرض لديه متمركزا حول الأمراض السرية والجنسية ) ، وقد يؤدي هذا إلى حالة انسحاب كامل بعيد عن العالم المحيط به .
4 – الشعور بالنقص ، مما يعوق الاتصال الاجتماعي ويؤدي إلى الانعزال أو الانسحاب .
تشخيص توهم المرض :
1 – من النادر أن يظهر توهم المرض كعصاب مستقل ، ولكن الأغلب أن يظهر كعرض مرافق لاضطراب نفسي آخر ( مثل الاكتئاب ) ، كما في حالات اكتئاب سن القعود مثلا .
2 – وفي بعض الأحيان يكون توهم المرض مجرد إضافة إلى مرض عضوي ، يجعل الأعراض مبالغا فيها .
علاج توهم المرض :
نحن الآن أمام شخصية ترفض الشفاء من مرض لا وجود له ... فالشفاء معناه مواجهة الحقيقية ... ومواجهة الحقيقة معناه القلق والتوتر ... وهكذا يرفض المريض الشفاء . ويحدث كل ذلك دون أن تشعر الشخصية بأي شيء من ذلك .... ولكن ... كيف يرفض المريض الشفاء ؟
إن ذلك يحدث في أكثر من صورة ... قد يقف المريض موقفا سلبيا من العلاج ، قد يقاوم العلاج النفسي ... قد يهرب من العلاج عن طريق استبدال الطبيب المعالج كل فترة ... بل ونلاحظ أن المريض يكون هنا حريصا على زيارة أكبر عدد من الأطباء ، وكأن المريض يحتاج إلى أكبر عدد ممكن من الشهود يؤكدون بتذاكرهم الطبية وجود المرض .. ووجود العذاب الذي يستحق الرحمة من الآخرين .
والآن ... كيف نقود المريض الذي يرفض الشفاء ... إلى طريق العلاج الحقيقي
تتلخص أهم ملامح علاج توهم المرض فيما يلي :
1 – العلاج العضوي لتوهم المرض : استخدام الأدوية النفسية الوهمية ، واستخدام الأدوية المهدئة
. فقد يفيد علاج العقاقير مثل مضادات الاكتئاب والمهدئات في التخفيف من التوتر المصاحب ، وأحيانا ما يزيد الاكتئاب المصاحب لدرجة تبرر علاج المريض بالصدمات الكهربائية ... إلى أنه في كثير من الأحيان ما تزيد الأعراض نتيجة للآلام المصاحبة للصدمات ، لذلك فيستحسن تجنب الصدمات الكهربائية ما أمكن
وفيما يلي حالة لعصاب القلق :
موظف ، كتابي بإحدى الشركات ، عمره ( 23 سنة ) ، أعزب ، يقيم بالقاهرة ، وموطنه الأصلي إحدى قرى الصعيد . كانت شكواه بنص كلامه كما يلي : " القلق المستمر ، أبص ألاقي حالات جسمانية تصيبني ، مرة بيقوسولي الضغط ، يلاقوه عالي ، ومرة طبيعي . بالليل آجي أنام ، أبقى مش عارف . أبص ألاقي كإن فيه حاجة فوق رأسي مقفلة عيني ، آخذ علاج الضغط مفيش فايدة ، في شغلي بعد ما كنت منظم وكويس دلوقت مش قادر أشتغل ، اقعد على مكتبي خمس دقائق أروح قايم ، رغم إني عارف إن شغلي متعطل ، في الفترة الأخيرة لقيت نفسي باثور لأتفه الأسباب زي النهاردة الصبح داخل ، الساعي جه قال لي مش عارف إيه ، رحت واخذه بكوباية الينسون ... لو فيه موضوع معين في مخي عايز أدرسه ، ألاقي مخي مش قادر أركز ، ولا أعرف ابتدي منين ، لا يمكن دلوقت أقدر أقرأ حاجة ، وتثبت في دماغي على الرغم من إني كنت متفوق في دراستي ... كثير وأنا ماشي في الشارع يتهيأ لي أن فيه عربية حتصدمني .
وبدراسة تاريخه الأسري ، وظروف تنشئته ، تبين أنه نشأ في بيئة محافظة ، فقيرة في الصعيد ، وكان أكبر إخوته ، وأن والدته ماتت وهو في سن الرابعة عشرة
( وكانت وقت موتها غضبانة في بيت والدها !! ) ...
وأنها هي التي كانت تحرص على أن يتعلم ، حتى أن أخوته الأصغر منه لم يتعلموا
وربما كان ذلك بسبب موتها ، وكانت تحرص على أن تراه متفوقا جدا ، فيقول : " مرة طلعت الثاني ، قلعت الشبشب وضربتني " ، وكانت علاقته بوالده سيئة للغاية ...
" كان باستمرار يضربني ويطردني ويقولي : " انت لو نجحت حتعملي إيه ؟ " ..
وتزوج الوالد بعد وفاه الوالدة مباشرة ،وكانت زوجة الأب قاسية " مسيطرة على كل حاجة ، وإن كانت في الفترة الأخيرة بتحاول تتقرب مني ، علشان أساعدهم ماديا " ، وكان رب الأسرة هو جد المريض
( والد أبيه ) ، وكانت شخصيته مسيطرة على كل من بالمنزل ، وهو الذي صمم على أن يكمل المريض تعليمه ، ولكنه كان سببا في صدمة المريض نفسيا منذ الصغر ، إذ أن المريض اكتشف علاقة بين جدة وزوجة أبيه ، فصدم صدمة شديدة ...
هزت مثله العليا ، وحاول أن ينبه جده إلى أنه رأى ذلك المنظر بطريق غير مباشر ، فأخذ يقص عليه قصته ، وكأنه قرأها في كتب المدرسة ، وكان فحوى القصة ما جرى بين الجد وزوجه الأب ، وما كاد الجد يسمع هذه القصة حتى تبين ما يعنيه حفيده ، فأصيب بنوبة قلبية ، فشهق ومات ( ! )
( ولم نستطيع التأكد من مدى صحة هذه الرواية ! ) ...
وشعر بعد ذلك المريض بشعور بالذنب ، وأنه السبب في وفاة جده الحريص على تعليمه ، ولكنه كان يبرر ذلك بأنه لو ترك الأمور تسير دون تدخل منه لكان من المحتمل أن يكتشف والده العلاقة وينهار البيت جميعه .
أما السبب المرسب فكان انتهاء علاقة حب بين المريض وبين إحدى الفتيات التي كانت على غير دينه ، وابتدأت كل أعراض القلق تقريبا حين أخبرته أن قريبا لها خطبها .
وبالفحص العضوي تبين أن جسمه سليم ، وأن أعراضه ليس لها ما يبررها عضويا .
وهكذا نرى كيف تلعب الأسباب المهيئة دورا هاما في الإعداد للمرض ، وهي في هذه الحالة فقر الأسرة ، وقسوة الوالد ، ووفاه الأم ، وسوء معاملته زوجة الأب ، ثم سيطرة الجد ، ثم تحطيم المثل الأعلى فيه ، ثم الشعور بالذنب نحو وفاته .
ونرى أن السبب المرسب وهو خيبة الأمل في الحب ، وكان يمكن أن يمر بسلام لولا كل هذه المقدمات .
ونحب أن نشير إلى أن روايته عن حادثة جده وزوجة أبيه ثم وفاة جده ، بهذه الصورة الدرامية قد كان لها دلالتها في تكوين نفسية المريض وفي العلاج ، سواء كانت حقيقة أم من نسج الخيال
عصاب توهم المرض ( الهيبوكوندريا)
المريض هنا يتوهم إصابته فعلا بمرض أو أمراض معينة ، أو يتوهم استعداده للإصابة السريعة بمرض أو أمراض معينة ، لهذا فهو دائم التخوف والاحتياط حتى لا يصاب بالمرض ، وهو منشغل انشغالا زائدا بصحته وخائف عليها ، ومهتم اهتماما مفرطا بها ، وإن أصابته أخف الأمراض وأهونها جزع لذلك أشد الجزع ، وتوهم أنه أصيب بأشد الأمراض فتكا ، وظل في قلق بالغ حتى يشفى ، ولا يكاد يشفى حتى تعاوده مخاوفه من الإصابة بمرض خطير آخر .. وهكذا , وغالبا ما يفشل الآخرون ، بل وربما أطباؤه – أيضا – في طمأنته على صحته ، وفي إقناعه بخلوه من المرض . ومن هنا ، فهو دائم الشكوى من إصابته المتوهمة بأمراض معينة ، أو من خوفه من الإصابة بها ، حتى أن البعض يميل إلى تسميه هذا المرض بوسواس المرض
تعريف توهم المرض :
هو اضطراب نفسي المنشأ ، عبارة عن اعتقاد راسخ بوجود مرض ، رغم عدم وجود دليل طبي على ذلك . وهو تركيز الفرد على أعراض جسمية ، ليس لها أساس عضوي ، وذلك يؤدي على حصر تفكير الفرد في نفسه ، واهتمامه المرضي الدائم بصحته وجسمه ، بحيث يطغى على كل الاهتمامات الأخرى ، ويعوق اتصاله السوي بالآخرين ، ويشعره بالنقص والشك في نفسه ، كما يعوق اتصاله أيضا بالبيئة المحيطة به ، ويطلق عليه أحيانا " رد فعل توهم المرض "
ويختلف هذا المرض عن الهستيريا وعن الاضطرابات السيكوسوماتية ، بانه لا يصحبه اضطراب حقيقي في وظيفة أي عضو ، كما أن التعبير عن الأعراض لا يتم خلال الجهاز العصبي الذاتي أو الحسي الحركي ، وإنما هو اضطراب في محتوى الفكر أساسا ، وفي " صورة الجسم " في المخ
أسباب توهم المرض :
من أهم الأسباب ما يلي :
1 – الوراثة :
كثيرا ما يوجد هذا العصاب في عائلات شديدة الاهتمام بالمرض ، يشكو أكثر من فرد من أفرادها بنفس المرض أو بعصاب آخر ... وأحيانا ما يوجد تاريخ ذهاني في العائلة .
2 – البيئة :
تتصف أسرة المريض عادة بالتركيز على الصحة الجسمية ، والإكثار من التردد على الأطباء ، والخوف من المرض ، مما يجعل اهتمام المريض يتركز منذ كان طفلا على جسمه ووظائفه ، فإذا ما واجه ضغطا ما في البيئة ظهر المرض
3 – أسباب مرسبة لتوهم المرض :
قد يكمن السبب في صراع لاشعوري ، أو رفض موقف مزمن ، أو تهديد داخلي بظهور ذهان كامن
أو الحساسية النفسية عند بعض الناس ، حيث تجدهم يتوهمون أنهم مرضى بمرض يكونون قد سمعوا عنه من الأطباء أو المعالجين ، وفهموا فهما غير سليم أو أساءوا الفهم ، أو يكونون قد قرءوا عنه قراءة غير واعية ، وعلى غير أساس علمي في الكتب و المجلات الطبية . والاضطرابات الانفعالية الطويلة ، أو وجود القلق والضعف العصبي ، ووجود العدوان المكبوت ، ومحاولة مقاومته ، أو الفشل في الحياة بصفة خاصة الفشل في الحياة الزوجية ، وشعور الفرد بعدم قيمته وعدم كفايته ورفضه . ويكون توهم المرض بمثابة تعبير رمزي عن هذا الشعور ، ومحاولة الهرب من مسئوليات الحياة أو السيطرة على المحيط عن طريق كسب المحيطين والمخالطين ، أو العدوى النفسية ، حيث يكتسب المريض الأعراض من والديه اكتسابا ، حيث يوجد توهم المرض لديهما ، وحيث يلاحظ اهتمامهما أكثر من اللازم بصحة الأولاد ، أو خبرة المعاناة الشديدة من مرض سابق ، ووجود العدوان المكبوت ومحاولة مقاومته ، أو وجود تهديد شخصي لا شعوري ، مثل قرب دنو الأجل كما في الشيخوخة ، والخوف من فقدان الحب ، وانهيار الدفاعات النفسية ذد دفعات العدوان الجنسي وقد تكون كل هذه العوامل سببا في ظهور هذا العصاب
أعراض توهم المرض :
تتركز الأعراض أساسا في الشكوى من أعراض جسمية وآلام متنقلة وصداع ، وما يصاحبه من وهن ، وقد تكون هذه الشكاوي مبررا لأعراض نفسية أخرى مثل ضعف التركيز أو الانصراف عن الاستذكار ... وينبغي أن نلاحظ أنه إذا زادت الأعراض ، نخشى أن يكون وراءها ذهان كامن
فيما يلي أهم أعراض توهم المرض :
1 – تسلط فكرة المرض على الشخص ( وسواس ) . والشعور العام بعدم الراحة .
2 – تضخيم شدة الإحساس العادي بالتعب والألم ، والاهتمام المرضي ، والإشغال الدائم بالجسم والصحة والعناية الزائدة بها ، وكثرة التردد على أطباء عديدين ، والمبالغة في الأعراض التافهة وتضخيمها ، والاعتقاد أنها مرض خطير ( فمثلا المغص يعتبره قرحة في المعدة ... وهكذا ) .
3 – الشكوى من اضطرابات جسمية خاصة في المعدة والأمعاء وأي جزء أخر من أجزاء الجسم . ( فمثلا المراهق الذي يعاني من صراعات جنسية يكون توهم المرض لديه متمركزا حول الأمراض السرية والجنسية ) ، وقد يؤدي هذا إلى حالة انسحاب كامل بعيد عن العالم المحيط به .
4 – الشعور بالنقص ، مما يعوق الاتصال الاجتماعي ويؤدي إلى الانعزال أو الانسحاب .
تشخيص توهم المرض :
1 – من النادر أن يظهر توهم المرض كعصاب مستقل ، ولكن الأغلب أن يظهر كعرض مرافق لاضطراب نفسي آخر ( مثل الاكتئاب ) ، كما في حالات اكتئاب سن القعود مثلا .
2 – وفي بعض الأحيان يكون توهم المرض مجرد إضافة إلى مرض عضوي ، يجعل الأعراض مبالغا فيها .
علاج توهم المرض :
نحن الآن أمام شخصية ترفض الشفاء من مرض لا وجود له ... فالشفاء معناه مواجهة الحقيقية ... ومواجهة الحقيقة معناه القلق والتوتر ... وهكذا يرفض المريض الشفاء . ويحدث كل ذلك دون أن تشعر الشخصية بأي شيء من ذلك .... ولكن ... كيف يرفض المريض الشفاء ؟
إن ذلك يحدث في أكثر من صورة ... قد يقف المريض موقفا سلبيا من العلاج ، قد يقاوم العلاج النفسي ... قد يهرب من العلاج عن طريق استبدال الطبيب المعالج كل فترة ... بل ونلاحظ أن المريض يكون هنا حريصا على زيارة أكبر عدد من الأطباء ، وكأن المريض يحتاج إلى أكبر عدد ممكن من الشهود يؤكدون بتذاكرهم الطبية وجود المرض .. ووجود العذاب الذي يستحق الرحمة من الآخرين .
والآن ... كيف نقود المريض الذي يرفض الشفاء ... إلى طريق العلاج الحقيقي
تتلخص أهم ملامح علاج توهم المرض فيما يلي :
1 – العلاج العضوي لتوهم المرض : استخدام الأدوية النفسية الوهمية ، واستخدام الأدوية المهدئة
. فقد يفيد علاج العقاقير مثل مضادات الاكتئاب والمهدئات في التخفيف من التوتر المصاحب ، وأحيانا ما يزيد الاكتئاب المصاحب لدرجة تبرر علاج المريض بالصدمات الكهربائية ... إلى أنه في كثير من الأحيان ما تزيد الأعراض نتيجة للآلام المصاحبة للصدمات ، لذلك فيستحسن تجنب الصدمات الكهربائية ما أمكن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق