ثانيا – الحيل الدفاعية اللاشعورية
كما قلنا سابقا أن هدف الحيل الدفاعية الشعورية هو : خفض التوتر ، وأن عدم بلوغ الهدف هو ضعف في الإمكانيات أو القدرات . ولكن قد يجد الأسوياء في أن الجهد الذي يتطلبه خفض التوتر أكثر مما يحتملون ، أو أنهم يخشون زيادة التوتر ، أو يستأخرون الوصول إلى الهدف الذي يزيل التوتر ، أو يستكثرون المتاعب والآلام التي تصاحب الحل الإرادي ، فيلجأون إلى الحيل الدفاعية اللاشعورية ، التي تهدف إلى خفض التوتر والوصول إلى الهدف .. وقد تحدث الحيل الدفاعية اللاشعورية بصفة متكررة حتى تصبح عادة سلوكية ، ولكن إذا زاد اللجوء إليها تصبح حيل دفاعية مرضية ، ويلجأ الفرد لاستخدامها لتجنب الألم مهما صغر . وبالتالي تصبح حيل دفاعية مرضية تعوق التوافق السوي ، بعد أن كانت تهدف لخفض التوتر والتوافق .ويجب التنويه إلى أن الحيل الدفاعية الخمسة السابقة قد تصبح لاشعورية ، فإزاحة العائق ، وتغيير الطريق ، وتغيير الهدف ، والتأجيل ، والتوفيق والتعويض ، قد تحدث جميعها بغير إدراك لحقيقة الهدف المراد الوصول إليه ... بمعنى أن الحد الفاصل بين الحيل الدفاعية الشعورية والحيل الدفاعية اللاشعورية إنما إدراك الفرد لها ، ولمرادها ولمغزاها من عدمه .
ولكن السؤال المطروح هنا ... كيف يمكن أن تبدأ هذه الحيل الدفاعية ؟
تبدأ بعملية أساسية هي "الكبت" وممكن أن نعتبر عملية الكبت في ذاتها ن حيلة دفاعية اساسية ، وممكن أن نعتبرها جزء من حيلة دفاعية أخرى مترتبة عليها ، فالخطوات الأساسية للحيل الدفاعية تبدأ بالصراع ، هذا الصراع هو الذي يخلق التوتر والقلق ، ومن ثم لا يطيقها الإنسان ، فيلجأ إلى ما يسمى بالكبت . إذا الكبت هو عملية لا شعورية ، تحدث بصفة آلية ، ويتم فيها نقل الأفكار والخيرات من دائرة الشعور إلى دائرة اللاشعور ، أي من دائرة الوعي إلى دائرة اللاوعي ، ويتم فيها حل الصراع ، وتجنب القلق والتوتر ، ويمكن اعتبارها عملية نسيان آلي للأفكار والنزاعات ، هذا النسيان يصاحبه إنكار أصلا .
مثال : إذا أحسست برغية في مصاحبة إحدى الفتيات ، وامتنعت عن ذلك لظروف اجتماعية أو شخصية ، فهذا ليس كبتا ، لأنك ادركت رغبتك وتحكمت بها ، أما إذا أنكرت أصلا أنك ترغب في مصاحبتها ، فإن إلغاء الاعتراف بهذه الرغبة في وجودها في اللشعور بعينه ، إذن الكبت هو العملية التي يتم بها محو الأفكار والاندفاعات التي تؤلم وتحزن وتخيف الفرد ، من الشعور إلى اللاشعور ، بمعنى عملية إنكار المشاعر التي تبدو قاسية ، وهروب من الواقع المؤلم .
ومن أبسط السلوك الدال على عملية الكبت ما يلي :
1- النسيان الآلي ، كنسيان ميعاد طبيب الأسنان لتجنب الألم عند خلع الضرس.
2- عدم زيارة أخ لأخيه بدون مبرر ، وذلك لشعوره بمحبه شديدة لزوجه أخيه مثلا ( إحدى المحرمات ) ، فقام بعملية الكبت ، ولو لم يقم بها لما استطاع أن يستمر في احترام ذاته ، التي تجرأت وانتهكت واشتهت المحرمات .
3 – عدم إباحة الطفل بمشاعره العدوانية ، نحو أبيه ، فيقوم بعملية الكبت ، فينكر على نفسه تلك المشاعر ، لأنه لو اعترف بها لحطم المثل التي تربى عليها .
4 – أحيانا قد يصل الكبت إلى سلوك مرضي ، فمريض الوسواس القهري مثلا ، لا يقوم بأعراض هذا المرض إلا نتيجة لكبت ميول جنسية مثلية ، يكبتها كبتا غير ناجحا ، فتستمر تلك الميول تلح للإشباع .
علاقة الكبت بعملية المقاومة :
تعتبر عملية المقاومة هي العملية المكملة لعملية الكبت ، وهي الحاجز النفسي ضد إخراج أو ظهور المؤثرات اللاشعورية إلى دائرة الشعور . ولكن عدم ظهور هذه المؤثرات وبقائها في اللاشعور ، لا يعني عدم ظهورها إلى الشعور مرة أخرى ، وإنما تأجيلها أو إخفائها لتجنب الصراع المؤلم ، وليبقى سلوك الفرد مقبولا اجتماعيا وأخلاقيا ، وتبقى في عمل دائب ومستمر ، محاولة الخروج إلى الشعور ، مرة أخرى ، فيقاومها الإنسان حتى لا تشوه فكرته عن نفسه وتخل بتقاليده ، وتزعج راحته النفسية .
وظائف عملية الكبت في الحياة النفسية :
ولعملية الكبت وظيفتين أساسيتين في الحياة النفسية :
1 – وظيفة وقائية :
وهي تقي الفرد مما يؤذيه أو يؤلمه ، أو لا يتفق مع فكرته عن نفسه ، أو لا يتفق مع مثله الاجتماعية والجمالية والخلقية ، وما يمس احترامه لنفسه ، بمعنى وسيلة لخفض التوتر النفسي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق