السبت، 19 مايو 2018

تعريف الأمراض النفسية والعقلية


تعريف الأمراض النفسية والعقلية
إذا كان الطب قد أحيط عبر التاريخ بشيء من الغموض والخرافات ، فإن هذا الأمر أكثر ما يتجلى في مجال الأمراض النفسية والعقلية . فما تزال هناك الكثير من العقبات والصعاب في طريق من يحاول أن يستوعب مظاهر أمراض الدماغ ، والأمراض النفسية بشكل عام.
وبشكل عام يستطيع الواحد منا أن يفهم الأمراض الجسدية العضوية من التهابات ، وجروح ، وكسور بشكل أسهل من فهم الأمراض النفسية ، وكذلك يستطيع الإنسان أن يشعر بشعور المصاب بالتهاب أو كسر ، فهذا المريض ما هو إلا " مثلي " ، ولكن يصعب على الإنسان أن يعتبر نفسه " مثل " المصاب بالأمراض النفسية ، ولذلك يشعر الكثير من المرضى النفسيين بالعزلة عن بقية الناس بسبب مرضهم ، وبسبب موقف الناس منهم ، وحتى قد يعاني البعض منهم من سوء المعاملة من جراء اختلافه عن الآخرين .
وفي مجال الأمراض الجسدية يسهل على الطبيب أن يؤكد وجود المرض أو الإصابة عن طريق صور شعاعية ، أو تحليل مخبري ، ولكن يصعب هذا الأمر في الأمراض النفسية ، والتي قد لا تتجلى بعلامات جسدية عضوية للمرض . فالمرض النفسي يلاحظ عادة من خلال سلوك المصاب أو دلائل مشاعره وتفكيره ، أو في أسلوب نظرته للعالم من حوله ، أو كل هذه الأمور مجتمعه .
ولدى الطبيب النفسي وسيلة للدخول إلى عقل المصاب ليؤكد تشخيصه للمرض ، ولكن المرض النفسي يتوقع عادة عندما يختل واحد من ثلاثة جوانب في حياة الإنسان النفسية ، وتصبح غير " طبيعية " أو غير صحية ، وهذه الجوانب هي :
1 – التفكير .
2 – المشاعر .
3 – السلوك .
ولكن هذا قد يثير سؤالا آخر محيرا ، وهو : ما هو " الطبيعي " وما هو الصحي السليم " ؟
فنحن لا نستطيع مثلا أن نعتبر الإنسان مريض نفسي لمجرد أنه يشعر بالاكتئاب والحزن الشديد ، وقد لا يوجد هناك أحد من الناس يعيش كامل حياته دون أن تمر به مرحلة من القلق أو الخوف .
ويمكن لتبسيط الموضوع أن نعرف المرض النفسي بأنه :
" حالة نفسية تصيب تفكير الإنسان أو مشاعره أو حكمه على الأشياء أو سلوكه وتصرفاته إلى حد تستدعي التدخل لرعاية هذا الإنسان ، ومعالجته في سبيل مصلحته الخاصة ، أو مصلحة الآخرين من حوله " .
وبشكل عام ، نقول بوجود المرض النفسي إذا كان هناك تغير في سلوك الإنسان أو تفكيره ومشاعره لدرجة تؤثر سلبيا في مجرى حياته ، أو لحد تسبب فيه الإزعاج الشديد له أو لغيره ممن حوله . ومن الأمور المساعدة هنا أن نتصور الصحة النفسية وكأنها مجال واسع يمتد بين الصحة التامة والمرض الأكيد ، آخذين بعين الاعتبار أنه يصعب جدا التحديد الدقيق للنقطة التي تنتهي عندها الحالة الصحية لتبدأ الحالة المرضية غير السوية .وقد يتفاوت وضع الإنسان على هذا المجال بين الصحة والمرض ، من وقت لآخر . وبين هذين القطبين هناك منطقة مبهمة في الوسط ، حيث يكون فيها بعض حالات القلق ، أو الاكتئاب الخفيف ، والتي قد يختلف الناس في تسميتها " بالمرض " ، أو أنها " حالة طبيعية في ظروف صعبة غير طبيعية " . ومن الحالات التي تقع في المنطقة المبهمة ، الحالات العاطفية والتي قد تكون ردات فعل      ( استجابات ) متوقعة ، لبعض الحوادث ، مثل الحزن عقب وفاة قريب ،  أو الأسى بعد عملية استئصال  جراحية .
ومن الأمور التي قد تصيب الإنسان لحد ما ، دون أن تعتبر علامة لمرض نفسي معين ، وإن كان يشير بعضها مجتمعة إلى أن هذا الإنسان قد يحتاج للمساعدة هي :
* تغير في الشخص لمدة أطول مما يعتبر عاديا عقب حادثة مفجعة .
* تغير في مشاعر الإنسان ، أو سلوكه أو علاقاته بشكل شديد ، أو طويل الأمد مسببا له معاناة وألما .
* عندما تمر بالإنسان مشاعر غير معتادة يجد صعوبة في تعليلها ، أو فهمها ، أو يجد صعوبة في شرحها للآخرين .
* تغير في الإنسان يحدث اضطرابا أو معاناة لدى الآخرين من حوله .
* صعوبات في إقامة علاقات طبيعية مع الآخرين ، وفي الاستمرار في هذه العلاقات .
* تغير في الإنسان يصعب ربطه ، أو فهمه ، في ضوء الأحداث الجارية من حوله
وإذا كان من العسير أن نحدد ما هو " الطبيعي " لنستطيع الفصل بين الصحة النفسية والمرض النفسي ، فالنقطة الهامة أن نعرف ما هو طبيعي بالنسبة لشخص معين ، فالمرض النفسي يتبدى من خلال تغير في هذه الحالة " الطبيعية " فيظهر اختلاف عن حالته السابقة ، والتي كان متكيفا معها وبشكل مناسب إلى حالة أصبح فيها نوع معين من التفكير ، أو المشاعر ، أو السلوك يسيطر ويطغى على حياته ، فاقدا بذلك توازنه السابق .
وفي بعض الحالات يكون هذا التغير واضحا جدا كما هو الحال في حالات مرض الفصام ، بحيث لا يشك المراقب بأن الشخص مصاب بمرض عقلي أو نفسي . وفي الماضي القريب كان هناك تباين كبير ، واختلاف شديد وحتى في تشخيص مثل هذه الأمراض النفسية الشديدة . فالشخص قد يعتبر مصابا بالفصام بالنسبة لطبيب ، وغير ذلك بالنسبة لطبيب آخر . وقد تحسن الأمر كثيرا في السنوات القليلة الماضية ، حيث وضعت بعض الضوابط والشروط لتشخيص معظم الأمراض النفسية ، إلا أن بعض الاختلاف والتباين ما زال موجود بين الأطباء الممارسين حول بعض الحالات النفسية .
وهناك قلة من الناس لا يعتقدون مطلقا بمفهوم المرض النفسي ،  ولا يرون أن مظاهر اضطراب المصابين علامات "المرض"،وإنما هي أساليب متوقعة لسلوك بعض الناس في صراعهم مع ظروف معيشية ، وحياتية معينة  .ودون أن نخوض في هذا الأمر الذي قد يكون في جوهرة " لفظيا " ، نقول أن بعض الناس يتعرضون وفي بعض الظروف لتغيرات نفسية يحتاجون معها للرعاية و " المعالجة " لسلامتهم وسلامة الآخرين ، حتى ولم يسمها البعض " مرضا نفسيا "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق